للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قريحته، ويتذكر ما تقدم) (١).

٥ - مباحثة الفقه سبب كذلك في استخراج ملكة التفقه، فإن الفقه لا يأتي بحفظ المسائل دون تنقير فيها وتمعن في استمدادها وأصولها التي تُخرَّج منها وما قد يرد من الاعتراض عليها، ولذلك كان الفقهاء يلقون المسائل إلى تلامذتهم على وجه المباحثة لتمرينهم ورياضة أذهانهم، وقد بوَّب الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ): (إلقاء الفقيه المسائل على أصحابه) (٢)، وقال ابن سعدي (ت ١٣٧٦ هـ): (وينبغي للمعلم أن يصبر على التعليم، ويبذل جهده في تفهيم كل طالب ما يتحمله ذهنه، ولا يشغله بكثرة القراءات أو بما لا يتحمله ذهنه، وأن ينشطه على الدوام ويكثر من سؤاله وامتحانه، ويمرِّنه على المباحثة وتصوير المسائل وبيان حكمتها ومآخذها، ومن أيِّ الأصول الشرعية أُخذت، فإن معرفة الأصول والضوابط واعتبارها بالمسائل والصور من أنفع طرق التعليم، وكلما ذاق طالب العلم لذة فهمه وحسن مأخذه ازدادت رغبته وقوي فهمه. وكذلك ينبغي له أن يوقظ فهمه بكثرة البحث والسؤال والجواب، ويريه السرور إذا أورد عليه سؤالًا أو إشكالًا أو عارضه بما قاله؛ فإن القصد النفع والوصول للحق، لا الانتصار للقول الذي يقوله والمذهب الذي يصير إليه، بل إذا أرشده من دونه إلى خلل بما قاله شكره عليه، وبحث معه بحثًا يقصد منه الوصول إلى الحقيقة، لا نصر ما هو عليه من الطريقة) (٣).

وأنشد ابن الأعرابي (ت ٢٣١ هـ) (٤):

فسل الفقيه تكن فقيهًا مثله... من يسع في عمل بفقهٍ يَمهَرِ

وتدبَّر الأمر الذي تُعني به... لا خير في عمل بغير تدبُّر

٦ - مجالس المذاكرة والمباحثة مجالس يتمايز فيها الحاضرون، فيتقدمون أو يتأخرون بما معهم من العلم والفقه، ولذا فقد كانت مجالًا لمعرفة


(١) الجواهر والدرر، السخاوي (٢/ ٦٩٧).
(٢) الفقيه والمتفقه (٦٥١).
(٣) الفتاوى السعدية (١١٣).
(٤) عيون الأخبار، ابن قتيبة (٢/ ١٤٧).

<<  <   >  >>