للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مراتب الفقهاء واصطفاء النابهين من المتفقهين، وكانت وسيلة للمتفقهين إلى التقرب إلى شيوخهم، ومعرفة المقدَّم منهم.

قال سحنون (ت ٢٤٠ هـ): (كنت أول طلبي إذا انغلقت عليَّ مسألة من الفقه آتي ابن أبي حسان (ت ٢٢٧ هـ) فكأنما في يده مفتاح لما انغلق) (١). وقال القصري في فقيه القيروان يحيى بن عمر (ت ٢٨٩ هـ): (كنت أسأله عن الشيء من المسائل فيجيبني، ثم أسأله بعد ذلك بزمان عنها فلا يختلف قوله عليَّ، وكان غيره يختلف عليَّ قوله) (٢). وقال أبو البركات الجصاص (ت ٥٥٧ هـ): (دخلنا يومًا على الإمام إبراهيم بن أحمد المروالروذي (ت ٥٣٦ هـ) فقعدنا ساعة عنده، وعرَّفت نفسي عنده وقلت له: أنا قرأت الفرائض والحساب وأعرف ذلك العلم. فأكرمني، ثم قلت له: تسألني مسألة؟ فقال: في وقت آخر. فألححت وقلت: لا بُدَّ أن تسألني عن مسألة من الفرائض؛ حتى تعرف أني تعبت في تحصيل ذلك العلم. فسألني مسألة فما أحسنت جوابها، فخجلت فقلت له: يا سيدي، كانت لي فائدة في هذه المذاكرة والمسألة.

وقال لي الإمام إبراهيم: وما تلك الفائدة؟ قلت: كنت أظن أني أعرف علم الفرائض، وعلمت أني لا أعلمها، فتبسم وأعجبه قولي هذا) (٣). وقريب من هذا قول أشهب (ت ٢٠٤ هـ): (ربما نظرت في المسألة من قول مالك (ت ١٧٩ هـ) فنحتج عليها لا شكَّ في أنَّا قد أصبنا فيها قول مالك، ثم نلقاه بها فنسأله عنها ونحتج لما قلنا، فيقول فيها مالك خلاف ما قلنا ويبطل حجتنا، فكأنَّا صبيان عند معلم) (٤).

كما كان الشيوخ يعرفون بالسؤال والمباحثة مراتب تلامذتهم، فيقربون النابه ويختصونه بمزيد اهتمام وعناية، فإن مجالس الدرس في الجملة ليست مما يظهر به فقه الطالب وحسن فهمه، إلا أن تتضمن شيئًا من هذه المعاني.


(١) ترتيب المدارك، القاضي عياض (١/ ٥١١).
(٢) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٣٤٥).
(٣) التحبير في المعجم الكبير، ابن السمعاني (١/ ٤٥٩).
(٤) التسمية والحكايات، السرقسطي (١١٠).

<<  <   >  >>