للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صاحبه!) (١)، وقال أبو حنيفة (ت ١٥٠ هـ) في بيان أخلاق جمهور المناظرة: (إذا ناظرتم فأظهروا الضحك يقضي عليكم الجمهور بالغلبة!) (٢).

فهذه المجالس يتم غرضها بالسكينة من الطرفين وحضورها بنفس راضية مطمئنة، فلا يتلبس المناظر بأخلاق الغضب ولا الكبر ولا التردد والخوف والوجل من المناظر أو غيره، بل يجلس منه مجلس الند للند والنظير للنظير، حتى يتداولا الحديث في المسائل على ما تقتضيه قواعد العلم والنظر، ولذا قيل: لا تصح المناظرة ويظهر الحق بين المتنناظرين حتى يكونا متقاربين أو مستويين في مرتبة واحدة من الدين والفهم والعقل والإنصاف (٣). وجاء في بعض وصايا أبي حنيفة (ت ١٥٠ هـ): (وإياك أن تتكلم في مجلس النظر على خوف أو وجل؛ فإن ذلك مما يورث الخلل في الخاطر والكلال في اللسان) (٤). وقال أبو المعالي الجويني (ت ٤٧٨ هـ): (وإياك والكلام في مجالس الخوف والهيبة؛ فإنك عند ذلك في حراسة الروح على شغل من حراسة المذهب ونصرة الدين) (٥)، وقال: (وتوقَّ في الكلام مجلس صدر هيبته تقطع خاطرك وتكدر قريحتك، فلن تجتمع الهيبة وصحة القريحة في قلب) (٦).

وقال أبو الوفاء بن عقيل (ت ٥١٣ هـ): (وإذا كان المجلس مجلس عصبية على أحد الخصمين بالتخليط عليه، وقلَّ فيه التمكن من الإنصاف، فينبغي أن يحذر من الكلام فيه؛ فإنما ذلك إثارة للطباع وجلب للإفحاش، ويفضي إلى انقطاع


(١) مناقب الشافعي، البيهقي (١/ ١٩٨).
(٢) مناقب الشافعي، البيهقي (١/ ١٩٨). وهل قال أبو حنيفة ذلك على وجه التعليم؟ أبو حنيفة رحمه الله أجل وأتقى لله من ذلك، إلا إن أراد بها موردًا خاصًا، كاستنكاف المناظر واستكباره عن قبول الحق، وقد جاء في المحيط البرهاني (٨/ ١٢٧): (التمويه في المناظرة والحيلة فيها هل يحل؟ إن كان يكلمه متعلم مسترشد أو غيره على الإنصاف بلا تعنت: لا يحل، وإن كان يكلمه من يريد التعنت ويريد أن يطرحه: يحل، بل يحتال كل الحيلة لدفعه عن نفسه؛ لأن دفع التعنت مشروع بأي طريق يمكن الدفع). مع تصحيح بعض الكلمات من الفتاوى الهندية (٥/ ٣٧٨).
(٣) جامع بيان العلم، ابن عبد البر (٢/ ٩٧٢).
(٤) مناقب الإمام الأعظم، الموفق المكي (٢/ ١١٦).
(٥) الكافية (٥٣٠)، وانظر: المنهاج، الباجي (١٠)، الواضح، ابن عقيل (١/ ٥٠٩).
(٦) الكافية (٥٣١).

<<  <   >  >>