للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

القوي المنصف بما يتداخله من الغضب والغم المانعين له من صحة النظر والصادين له من طريق العلم) (١).

وإنما أكَّد أهل العلم على هذه المعاني لأن غرض المناظرة في أصل معناها شريف فاضل متى اجتنبت أخلاق السوء في المناظرة، فالمناظرة إنما يراد بها تداول الرأي بين الأكفاء ليظهر الحق ما بين ذلك فيصير إليه المتناظران، وينتقل المخالف بها من الخطأ إلى الصواب (٢). فهي بهذا المعنى مما يحمد ويطلب، وقد كان هذا الغرض غرض الأئمة الكبار في مناظراتهم، كأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن اقتفى أثرهم. قال شيخ الإسلام بن تيمية (ت ٧٢٨ هـ): (وقد كان العلماء من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩]، وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين) (٣).

ولأجل أن تداول الآراء والحجج ونقدها ليظهر الحق من بينها هو الغرض في مجالس المناظرة فقد وُصفت هذه المجالس بأنها كانت (مؤسسة فحص علمي) (٤)، فكان مفهومًا في ضوء ذلك أن يتبنى الفقيه المناظر في مجلس المناظرة قول غيره فيستدل له ويدافع عنه ما دام غرضه نقد الآراء والحجج الفاسدة. قال الطوفي (ت ٧١٦ هـ): (الخصم قد يناظر عن مذهب غيره إعانة لذلك الغير، كالحنبلي ينصر مذهب بعض الطوائف الثلاثة، وقد


(١) الواضح (١/ ٥٢٢).
(٢) انظر: المنهاج، الباجي (٩)، الكافية، الجويني (٢٣)، التحبير، المرداوي (٧/ ٣٦٩٩)، علم الجذل، الطوفي (٧)، الواضح، ابن عقيل (١/ ٢٩٧).
(٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٤/ ١٧٢).
(٤) انظر: مجلس المناظرة كمؤسسة للفحص العلمي في الحضارة الإسلامية العربية، د. حمو النقاري (٢٠١)، ضمن بحوث ندوة (مؤسسات العلم والتعليم في الحضارة الإسلامية)، تنسيق: بناصر البعزاتي.

<<  <   >  >>