للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يكون مقصوده إفساد مذهب الخصم لا تصحيح مذهبه هو، فلا جرم يرجح أي مذهب كان ويقابل به مذهب خصمه، وبه يحصل مقصوده) (١). ولذلك فالعلماء ينصون على أن آراء الفقهاء لا تتلقى عنهم من سياق المناظرة لأجل اعتبار هذا المعنى. قال ابن الوزير (ت ٨٤٠ هـ): (وقد سلكت في هذا الجواب مسالك الجدليين فيما يلزم الخصم على أصوله، ولم أتعرض في بعضه لبيان المختار عندي، وذلك لأجل التقية من ذوي الجهل والعصبية، فليتنبه الواقف عليه على ذلك، فلا يجعل ما أجبت به الخصم مذهبًا لي) (٢).

ولأجل اعتبار هذا المعنى كذلك فقد كان أهل العلم ينهون عن الاحتجاج بالرجال عند المناظرة؛ لأن هذا عائق عن التوجه بالنظر والنقد إلى الحجج والأدلة بالوقوف بالتهويل عند أسماء من قال بها. قال ابن المبارك (ت ١٨١ هـ): (لا تسموا الرجال عند الحِجَاج) (٣)، وقال ابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ): (ولقد كان جماعة من المحققين لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حاد عن الشريعة بل يوسعونه لومًا، فنقل عن أحمد أنه قال له المروذي: ما تقول في النكاح؟ فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: فقد قال إبراهيم. قال: فصاح بي وقال: جئتنا ببُنَيَّات الطريق؟ ... واعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم، كما قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أتظن أن طلحة رضي الله عنه والزبير رضي الله عنه كانا على الباطل؟ فقال له: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. ولعمري إنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام، فإذا نقل عنهم شيء فسمعه جاهل بالشرع قبله لتعظيمهم في نفسه) (٤).

ولأجل ذلك أيضًا فقد ألفينا جماعة من أهل العلم يحكون مناظرات جرت لهم فلا يذكرون أسماء من ناظروهم؛ لئلا يكون في ذلك انتقاص من شأنهم في حكاية المناظرة، مع أن ذكر الأسماء لا تعلق له بالضرورة بغرض


(١) علم الجذل (٤).
(٢) العواصم والقواصم (١/ ٢٢٥).
(٣) مسائل الإمام أحمد وإسحاق برواية الكوسج (٩/ ٤٨٤٦).
(٤) صيد الخاطر (٦٧).

<<  <   >  >>