للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر الله، ولم يترك القرآن إلى غيره) (١)، ولما سئل ابن المبارك (ت ١٨١ هـ): هل للعلماء علامة يعرفون بها؟ قال: (علامة العالم من عمل بعلمه، واستقلَّ كثير العلم من نفسه، ورغب في علم غيره، وقبل الحق من كل من أتاه به، وأخذ العلم حيث وجده، فهذه علامة العالم وصفته). قال أبو بكر المروذي (ت ٢٧٥ هـ): فذكرت ذلك لأبي عبد الله-يعني: أحمد بن حنبل-فقال: هكذا هو (٢). وقال داود الطائي (ت ١٦٢ هـ): (أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقي الحرب، أليس يجمع آلته؟ فإذا أفني عمره في الآلة فمتى يحارب؟ إن العلم آلة العمل، فإذا أفني عمره في جمعه فمتى يعمل؟) (٣).

وقال أبو تمام حبيب بن أوس (ت ٢٣١ هـ) (٤):

ولم يحمدوا من عالم غير عاملٍ... خلاقًا ولا من عامل غير عالم

رأوا طرقات العجز عُوجًا قطيعةً... وأقطع عجز عندهم عجز حازم

ولأجل هذا فقد كان أثر مجالسة العلماء ظاهرًا في الأخلاق والسلوك والإيمان، وليس مقصورًا على المعرفة الذهنية المجردة. قال ميمون بن مهران (ت ١١٧ هـ): (بنفسي العلماء، هم ضالتي في كل بلدة، وهم بغيتي إذا لم أجدهم، وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء) (٥).

ولك أن تتصور صبيًّا بلغ سنَّ الجدِّ في الطلب، فشهد مجالس الفقهاء وعاين أثر العلم فيهم، فرأى شيخًا له لا يفتر في مجلسه عن ذكر الله جل جلاله، كما جاء في وصف عطاء بن أبي رباح (ت ١١٤ هـ)، فقد قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: (ما رأيت مفتيَّا خيرًا من عطاء بن أبي رباح إنما كان مجلسه ذكر الله لا يفتر وهم يخوضون، فإن تكلم أو سئل عن


(١) أخلاق العلماء، الآجري (٧٣).
(٢) انظر: طبقات الحنابلة، ابن أبي يعلي (٣/ ٢٦٨)، وانظر آثارًا أخرى في المعنى في: سنن الدارمي (باب من قال العلم الخشية وتقوى الله)، الفقيه والمتفقه للخطيب (باب ما جاء في ورع المفتي وتحفظه)، وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (٣/ ٢٦٥ - ٢٦٩).
(٣) اقتضاء العلم العمل، الخطيب البغدادي (٤٥).
(٤) شرح ديوان أبي تمام للخطيب التبريزي (٣/ ٢٥٩).
(٥) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، باب جامع في فضل العلم (٢٣٩).

<<  <   >  >>