للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

شيء أجاب وأحسن الجواب) (١). أو رأي شيخًا له يتج لله البكاء من خشية الله أثناء درسه، كما قال القاضي الحسين (ت ٤٦٢ هـ) في ذلك: (كان القفال (ت ٤١٧ هـ) في كثير من الأوقات في الدرس يقع عليه البكاء ثم يرفع رأسه ويقول: ما أغفلنا عما يراد بنا) (٢). أو يرى شيخًا له إذا عظمت حلقته قام كراهية الشهرة كما كان يفعل خالد بن معدان (ت ١٠٣ هـ) (٣). أو يفتقد شيخه ذات صباح فإذا به قد انتقل من مقاعد التدريس إلى مقاعد الرباط، كما جرى من ابن شاس (ت ٦١٠ هـ) لما دخل الفرنجة دمياط، فانتقل إليها وتوفي مرابطًا فيها (٤). أو يرى من شيخه أخلاق التواضع واطراح التكبر، كما جرى من قاضي القيروان أبي العباس بن طالب (ت ٢٧٥ هـ) حين يذكر تنازع فقهاء المالكية في المسائل، فربما ذكر في المسألة خمسة أقوال أو ستة، ثم تسيل دموعه ويضع خده على الأرض ويقول: (يا فتى، أردت أن يقال فقيه! فهل معك عمل صالح تنجو به من عذاب الله؟ وإلا فما يغني هذا عنك؟) (٥). وكان أحمد بن عبد الله ناضرين المكي الشافعي (ت ١٣٧٠ هـ) ربما قال لطلبته: (هذه مسألة ما فهمتها، اسألوا فيها غيري) (٦).

فما بالك بهذا الفتى الذي يسلك طريق العلم عند هؤلاء الشيوخ وأمثالهم، فيرى العلم والعمل والخشية والأدب في سياق واحد، كيف سيكون أثر العلم فيه؟ ومن ثمَّ كان العلماء يؤكدون أن التأثر بالقدوة أعظم من التأثر بالقول المجرد، بل يرد الكلام من مثل هؤلاء فيقع في نفوس الناس مواقعه.

ولما وصف ابن النجار (ت ٦٤٣ هـ) الموفق بن قدامة (ت ٦٢٠ هـ) قال في وصفه: (وكان ثقة حجة نبيلًا غزير الفضل كامل العقل شديد التثبت دائم السكوت حسن السمت نزهًا ورعًا عابدًا على قانون السلف، على وجهه النور


(١) انظر: التاريخ الكبير، ابن أبي خيثمة (١/ ٢٠٨).
(٢) انظر: طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٥/ ٥٥).
(٣) انظر: تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر (١٦/ ١٩٧)، صفة الصفوة، ابن الجوزي (٤/ ٢١٥).
(٤) انظر: الديباج المذهب، ابن فرحون (١/ ٤٤٣).
(٥) انظر: ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٣١٥).
(٦) انظر: تشنيف الأسماع بشيوخ الإجازة والسماع، محمود سعيد بن محمد ممدوح الشافعي (١/ ١٩١).

<<  <   >  >>