للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك) (١). فإن كانت جارية على وجه الإنصاف وتحري الحق فعبادة مأمور بها، وقربة يتقرب الفقيه إلى الله جل جلاله بها؛ لما يحصل بها من بيان الحق وظهوره وتعلم الفقه وتعليمه (٢)، ومن العلماء من ينص أنها بهذا المعنى من فروض الكفايات على المسلمين (٣).

وقد جرت المناظرات بهذا المعنى بين الجِلَّة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان حتى ليعجز العاد عن إحصائها (٤). قال القرطبي في تفسير قول الله جل جلاله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ٢٥٨]: (هذه الآية تدل على جواز تسمية الكافر ملكًا إذا آتاه الملك والعز والرفعة في الدنيا، وتدل على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة. وفي القرآن والسُّنَّة من هذا كثير لمن تأمله، قال الله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١]. {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [يونس: ٦٨]؛ أي: من حجة. وقد وصف خصومة إبراهيم عليه السلام قومه ورده عليهم في عبادة الأوثان كما في سورة الأنبياء وغيرها. وقال في قصة نوح عليه السلام: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} الآيات، إلى قوله: {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود: ٣١ - ٣٥]. وكذلك مجادلة موسى عليه السلام مع فرعون إلى غير ذلك من الآي. فهو كله تعليم من الله عز وجل السؤال والجواب والمجادلة في الدين؛ لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجة الحق ودحض حجة الباطل. وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب وباهلهم بعد الحجة، على ما يأتي بيانه في (آل عمران). وتحاج آدم وموسى فغلبه آدم


(١) جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٩٢٩)، وانظر: التحبير، المرداوي (٧/ ٣٦٩٨).
(٢) انظر: حاشية ابن عابدين (٦/ ٤٢١)، الكافية، الجويني (٢٣)، التحبير، المرداوي (٧/ ٣٦٩٨).
(٣) انظر: علم الجذل، الطوفي (٧)، درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية (١/ ٥١)، آداب البحث والمناظرة، الشنقيطي (١٤٠).
(٤) انظر: جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (٢/ ٩٦٩).

<<  <   >  >>