للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأحكم القول، وبذلك تتمحص الآراء ويمتاز القوي من الضعيف، وفي هذا المعنى يقول محيي الدين بن الجوزي (ت ٦٥٦ هـ) في فائدة الجدل: (ولولاه لاشتبه التحقيق في المناظرة بالمكابرة، ولو خُلِّي كل مدَّعٍ ودعوى ما يرومه على الوجه الذي يختاره، ولو مُكِّن كل مانع من ممانعة ما يسمعه متى شاء، لأدَّى ذلك إلى الخبط وعدم الضبط) (١).

ومن الأمثلة على ذلك ما قاله أبو بكر قاضي القضاة الشامي الشافعي (ت ٤٨٨ هـ) لما عقد له مجلس ببغداد، وناظره الغزالي (ت ٥٠٥ هـ) واحتج عليه بأن الإجماع منعقد على خلاف ما عملت به، فقال الشامي: إذا كنت أنا الشيخ في هذا الوقت أخالفكم على ما تقولون، فبمن ينعقد الإجماع؟ بك وبأصحابك؟ (٢).

٣ - تصور الحقائق والتعريف بمآلات الأقوال:

فالمناظرة لها غرض لا بد من المحافظة عليه، ولا سبيل إلى المحافظة إلا بمعرفة ما هو الأصل، ومعرفة كيفية البناء على ذلك الأصل (٣). فإن اعترضت شبهة في المعنى تمنع من تصوره (فينبغي أن يزيل تلك الشبه عن نفسه بالسؤال والنظر؛ ليصل إلى تصور المعنى وإدراك حقيقته. ولذلك قال بعض العلماء: لا تخل قلبك من المذاكرة فيعود عقيمًا، ولا تعف طبعك من المناظرة فيصير سقيمًا) (٤).

ويروى عن زفر (ت ١٥٨ هـ) أنه قال: إني لست أناظر أحدًا حتى يقول: لقد أخطأت، ولكن أناظره حتى يجن. قيل: فكيف يجن؟ قال: يقول بما لم يقله أحد (٥).


(١) الإيضاح (٥).
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٣/ ٣٤).
(٣) الكافية، الجويني (٥٤٠).
(٤) أدب الدين والدنيا، الماوردي (١٠٥).
(٥) أخبار أبي حنيفة وأصحابه، الصيمري (١١٠).

<<  <   >  >>