للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلا غلبني فيه) (١).

وكان ابن فارس اللغوي (ت ٣٩٥ هـ) إذا وجد فقيهًا أو متكلمًا أو نحويًّا أمر أصحابه بسؤاله، وناظره في مسائل من جنس العلم الذي يتعاطاه، فإن وجده برعًا جدلًا جرَّه في المجادلة إلى اللغة فيغلبه عليها، وكان يحث الفقهاء دائمًا على اللغة ويلقي عليهم مسائل ذكرها في كتاب سماه (فتيا فقيه العرب) ويخجلهم بذلك؛ ليكون الخجل دعاية لهم إلى حفظ اللغة (٢).

٦ - نضج الآراء واستحكامها وظهور الصواب:

وقد مضى ذكر ذلك وأنه الغرض من المناظرة. قال ابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ): (المجادلة إنما وضعت ليستبين الصواب، وقد كان مقصود السلف المناصحة بإظهار الحق، وقد كانوا ينتقلون من دليل إلى دليل وإذا خفي على أحدهم شيء نبهه الآخر؛ لأن المقصود كان إظهار الحق) (٣). وقال الزرنوجي (٥٩١ هـ): (ولا بد لطالب العلم من المذاكرة والمناظرة والمطارحة، فينبغي أن يكون بالإنصاف والتأني من المباحثة والإنصاف، ولا يحصل ذلك بالشغب والغضب) (٤). وقد تجادل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السقيفة وتدافعوا وتقرروا وتناظروا حتى صار الحق في أهله (٥).

ولا يلزم لظهور الحق إذعان الخصم له، بل يكفي انقطاعه وذهاب حجته، فأما التسليم والانتقال إلى قول الآخر فهو حاصل كثيرًا في مناظرات الفقهاء، غير أنه ليس بلازم في ظهور الصواب، فالمشتغلون بالعلم فضلًا عن


(١) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (٢/ ٩٧٣).
(٢) انظر: فتيا فقيه العرب (٤٥٦)، مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، الجزء الأول، المجلد الثالث والثلاثون (١٣٧٧ هـ).
(٣) تلبيس إبليس (١٢٠).
(٤) تعليم المتعلم (١٨).
(٥) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (٢/ ٩٥٩).

<<  <   >  >>