للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

باتت تطلق على مسمّى واحد؛ لأنها متقاربة في الغرض ومساق الكلام (١).

ومقام الوعظ والتذكير والقصة من مقامات الدين الجليلة، والله جل جلاله وعظ وقصَّ في كتابه، قال تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} [النور: ١٧]، وقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: ٣]، وأمر نبيه صلى الله عليه وسم أن يعظ الناس ويذكرهم ويقص عليهم، فقال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: ٦٣]، وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: ٢١]، وقال تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: ١٧٦].

وقد وعظ النبي صلى الله عليه وسلم، وكلُّ الصحابة والتابعين لهم بإحسان كذلك كانوا يعظون ويذكِّرون، وإن كان بعضهم أخصَّ بذلك من بعض (٢). قال الحافظ ابن رجب (ت ٧٩٥ هـ): (كانت مجالس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب، إما بتلاوة القرآن أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة، وتعليم ما ينفع في الدين، كما أمره الله تعالى في كتابه أن يذكر ويعظ ويقص وأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يبشر وينذر) (٣).

والناس بحاجة إلى الموعظة والذكرى والقصة الصادقة. قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥]. فإن النفوس كثيرة الغفلة، وفي الموعظة تنبيه وتذكير ونفع متى خرجت مخرج صدق ودخلت مدخل صدق. قال الإمام أحمد (ت ٢٤١ هـ): (ما أحوج الناس إلى قاصِّ صدوق) (٤).

ومجالس الوعظ والتذكير في نفسها مما تشترك فيه علوم الشريعة فلا يستقل


(١) انظر: كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي (١٥٧ - ١٦٠)، تاريخ القصاص، د. محمد لطفي الصباغ (١٥)، منهج القصاص في الدعوة إلى الله من عصر الخلفاء الراشدين إلى نهاية العصر العباسي، د. عبد الله الطويل (٣٠).
(٢) انظر: كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي (٢٢٨).
(٣) لطائف المعارف (٤٧).
(٤) الآداب الشرعية، ابن مفلح (٢/ ١٨٠)، وانظر: مطالب أولي النهى، الرحيباني (٢/ ٢٦١).

<<  <   >  >>