للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بها علم منها، كما قال الذهبي (ت ٧٤٨ هـ): (الوعظ فنٌّ بذاته، يحتاج إلى مشاركة جيِّدة في العلم) (١). غير أن تسميتها في مجالس الفقه جاءت لمعانٍ ثلاثة:

المعنى الأول: أن أكمل صورة يكون عليها الواعظ أن يكون فقيهًا عالمًا بسياسة الناس وحسن التعاطي معهم بزواجر الشريعة وفضائلها، وأن يكون له واعظ من نفسه قبل غيره حتى تعظم نصيحته وتقع موقعًا حسنًا في النفوس.

قال الذهبي: (كان القاصُّ في الزمن الأول يكون له صورة عظيمة في العلم والعمل) (٢). وسئل أبو الوفاء بن عقيل (ت ٥١٣ هـ) عن قوم يجتمعون حول رجل يقرأ عليهم أحاديث وهو غير فقيه؟ فقال: هذا وبال على الشرع، أو نحو ذلك (٣). وقال أبو الفرج بن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ) عن واعظ: (احذروا جاهل الأطباء، فربما سمَّى سُمًّا، ولم يعرف المسمى) (٤).

فالواعظ يتوافد عليه عامة الناس ومجالسه مشهودة، فإن لم يكن ممن يحسن مخاطبتهم ويعرف أغراضهم أدخل بذلك عليهم الفساد، وربما أورد عليهم ما لا يحتملونه من العلم، ومن ثمَّ كانت صناعة الوعظ مفتقرة إلى فقه النفس والعلم بسياسة الناس. قال ابن الجوزي: (ومن التغفيل تكلم القصاص عند العوام الجهلة بما لا ينفعهم، وإنما ينبغي أن يخاطب الإنسان على قدر فهمه، ومخاطبة العوام صعبة؛ فإن أحدهم ليرى رأيًا يخالف فيه العلماء ولا ينتهي. وقد رأينا أن امرأة قالت لولدها من غير زوجها: هذا زوجي كافر، قال: وكيف؟ قالت: طلقني بكرة وضاجعني في الليل، فقال: أنا أقتله! وما علم أن الرجعية زوجة، وأنه قد أشهد على ارتجاعها من غير علمها، أو أنه يعتقد أن الوطء رجعة. ورأى رجل رجلًا يأكل في رمضان فهمَّ بقتله، وما علم أنه مسافر. فالويل للعلماء من مقاساة الجهلة) (٥).


(١) زغل العلم (٤٩).
(٢) سير أعلام النبلاء (٤/ ٢٧٥).
(٣) الآداب الشرعية، ابن مفلح (٢/ ١٨٥).
(٤) سير أعلام النبلاء، الذهبي (٢١/ ٣٧٥).
(٥) الآداب الشرعية، ابن مفلح (٢/ ١٨٧).

<<  <   >  >>