للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلا يتعلق منه بشيء، ويجلس إلى العلم فلا يقوم حتى يتعلق منه بشيء) (١).

وقال أبو الفرج بن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ): (وإنما ذُمَّ القُصَّاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبهم يخلط فيما يورده وربما اعتمد على ما أكثره محال فأما إذا كان القصص صدقًا ويوجب وعظًا فهو ممدوح) (٢).

وبين داعي حفظ الدين وصيانته، وداعي الحاجة إلى الوعاظ والقصاص الذين ينتفع الناس بهم، فإن العلماء رسموا من قوانين السياسة الشرعية ما يحمل على سنن التوسط والاعتدال، وهذا مما تختلف به الأحوال والأعراف والسياسات. فمن ذلك التحذير من مجالسة القاص الجاهل، وقد روى الإمام مسلم (ت ٢٦١ هـ) في مقدمة صحيحه عن عاصم بن أبي النجود (ت ١٢٧ هـ) قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي (ت ٧٤ هـ) ونحن غِلْمَةٌ أيفاع، فكان يقول لنا: (لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص) (٣). ومن ذلك ما جاءت به الوصية من العلماء بألا يتعرض الواعظ لغير الوعظ (٤). ومن ذلك امتحان الوعاظ والقصاص للنظر في تأهلهم لما هم بصدده من التذكير والوعظ، وقد روي أن عليًّا رضي الله عنه رأى رجلًا يقص، فقال: علمت الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت (٥). وقال شريح (ت ٧٨ هـ): كنت مع علي رضي الله تعالى عنه- في سوق الكوفة، حتى انتهى إلى قاص يقص فوقف عليه، فقال: أيها القاص، تقص ونحن قريب العهد! أما إني أسألك فإن تخرج عما سألتك وإلا أدَّبتك. قال القاص: سل يا أمير المؤمنين عما شئت.

فقال علي رضي الله عنه: ما ثبات الإيمان وزواله؟ فقال القاص: ثبات الإيمان الورع،


(١) حلية الأولياء، أبو نعيم (٢/ ٢٨٧).
(٢) تلبيس إبليس (١٢٣). وانظر: كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي (٣٤٩)، منهج القصاص في الدعوة إلى الله من عصر الخلفاء الراشدين إلى نهاية العصر العباسي، د. عبد الله الطويل (٥٦).
(٣) صحيح مسلم، المقدمة، باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات.
(٤) الآداب الشرعية، ابن مفلح (٢/ ١٨٨).
(٥) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الأدب، باب من كره القصص وضرب فيه (٢٦١٩٢).

<<  <   >  >>