للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وزواله الطمع. قال علي: فمثلك يقص (١).

ومن ذلك الاحتساب على الوعاظ والقصاص والإنكار عليهم ومنعهم، وللعلماء في كتب الحسبة في ذلك رسوم وآداب وشروط، فمن ذلك مثلًا أن أبا الحسن الماوردي (ت ٤٥٠ هـ) بعد أن أكَّد على وجوب الاحتساب على الوعاظ، وأن يكون المتصدي للوعظ ممن اشتهر بين الناس بالدين والعلم الخير والفضيلة، نبَّه إلى أمر لطيف وهو أنه من توفَّرت فيه هذه الشروط مُكِّن من الجلوس على المنبر للوعظ، أما من عرف شيئًا يسيرًا من كلام الوعاظ وحفظ من الأحاديث والأخبار الصالحة شيئًا قليلًا ليذكِّر ويعظ بها، فإنه لا يمنع غير أنه لا يرقى المنبر بل يقف على قدميه؛ لأن صعود المنبر رتبة شريفة لا تليق إلا بمن استحق شرطها، وهذا تدبير لطيف يراد به صيانة مقام العالم المفتي لئلا يشتبه به مقام الواعظ والمذكِّر (٢)؛ لأن اشتباه المقامين ربما أورث أمورًا لا تحمد عاقبتها، ومن ذلك ما حكاه أبو الوليد بن رشد (ت ٥٢٠ هـ) فقال: (وأجمعت الأمة على أن الكافرين محجوبون عن الله تعالى يوم القيامة، وإنما اختلفوا في المؤمنين، فقال أهل الزيغ إنهم لا يرونه، وقال أهل السُّنَّة والجماعة إنهم يرونه على ما بيَّناه وصححناه، إلى أن نشأ رجل من أهل البصرة يعرف بأبي الحسن بن سالم، وكان من الوعاظ الذين يظهرون النسك ويظنه العوام من أهل العلم، فسألوه عن هذه المسألة فحملته الأنفة وما يعتقده العوام فيه من أنه من أهل العلم على أن أجاب فيها بغير علم، فأخطأ وقال: إن الكافرين يرون ربهم يوم القيامة، وأبى أن يرجع عن بدعته، وتبعه قوم على ذلك حتى قويت شوكتهم وصار قولهم مذهبًا يذكر، والله أسأله العصمة برحمته) (٣).

وكما يكون الإنكار على الوعاظ من المحتسبين فكذلك العلماء والفقهاء


(١) حلية الأولياء، أبو نعيم (٤/ ١٣٦).
(٢) انظر: الرتبة في طلب الحسبة (٣٠٠). وانظر أيضًا: كتاب الروضتين، أبو شامة (١/ ٢٠٣)، أثر الوعظ والوعاظ في بغداد في القرن السادس الهجري، د. جهاد العلواني (٧٢).
(٣) البيان والتحصيل (١٨/ ٤٨٠).

<<  <   >  >>