للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الناصح بن الحنبلي (ت ٦٣٤ هـ): (ولقد كان فيه جمال لأهل بغداد خاصة وللمسلمين عامة، ولمذهب أحمد منه ما لصخرة بيت المقدس من المقدس.

حضرت مجالسه الوعظية بباب بدر عند الخليفة المستضئ، ومجالسه بدرب دينار في مدرسته، ومجالسه بباب الأزج على شاطئ دجلة) (١). ولما وصف الرحالة ابن جبير الأندلسي (ت ٦١٤ هـ) دخوله بغداد سنة ٥٨٠ هـ ذكر كثرة مجالس الوعظ فيها فقال: (لا جرم أن لهم في طريقة الوعظ والتذكير، ومداومة التنبيه والتبصير، والمثابرة على الإنذار المخوف والتحذير، مقامات تستنزل لهم من رحمة الله تعالى ما يحط كثيرًا من أوزارهم، ويسحب ذيل العفو على سوء آثارهم، ويمنع القارعة الصماء أن تحل بديارهم) (٢)، ثم ذكر شهوده لبعض تلك المجالس وأفاض في وصفها، فمن ذلك قوله في مجلس ابن الجوزي بعد أن وصفه وصفًا مفصَّلًا: (فشاهدنا هولًا يملأ النفوس إنابة وندامة، ويذكرها هول يوم القيامة، فلو لم نركب ثبج البحر، ونعتسف مفازات القفر، إلا لمشاهدة مجلس من مجالس هذا الرجل، لكانت الصفقة الرابحة والوجهة المفلحة الناجحة، والحمد لله على أن منَّ بلقاء من تشهد الجمادات بفضله، ويضيق الوجود عن مثله. وفي أثناء مجلسه ذلك يبتدرون المسائل وتطير إليه الرقاع، فيجاوب أسرع من طرفة عين، وربما كان أكثر مجلسه الرائق من نتائج تلك المسائل، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، لا إله سواه) (٣)، ثم شهد له مجلسًا آخر بباب بدر في ساحة قصر الخليفة، فوصفه وصف المدهوش به ثم قال: (وما كنا نحسب أن متكلمًا في الدنيا يعطي من ملكة النفوس والتلاعب بها ما أعطي هذا الرجل، فسبحان من يخص بالكمال من يشاء من عباده، لا إله غيره. وشاهدنا بعد ذلك مجالس لسواه من وعاظ بغداد ممن نستغرب شأنه، بالإضافة إلى ما عهدناه من متكلمي الغرب، وكنا قد شاهدنا بمكة والمدينة-شرَّفهما الله-مجالس من قد ذكرناه في هذا التقييد، فصغرت بالإضافة لمجلس


(١) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٢/ ٤٨٢).
(٢) رحلة ابن جبير (١٩٤).
(٣) رحلة ابن جبير (١٩٨).

<<  <   >  >>