للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المغالطة في تخليطه. ولما أفتى فقيه تونس ومفتيها أبو القاسم البرزلي (ت ٨٤١ هـ) بجواز العقوبة بالمال في الجنايات بمجلس بعض السلاطين الحفصيين ردَّ عليه القاضي الشماع (ت ٨٣٣ هـ) برسالة بيَّن فيها حرمة أخذ المال وأن هذا هو المشهور من مذهب مالك، وقال معلِّقًا على قول البرزلي إنه قال ذلك على سبيل المذاكرة والمباحثة في مجالس العلماء: (أقول: لو أنصف بصَّره الله لقال: فقلت على وجه الفتوى والإشارة، ولا سيما أنه وقع في غير هذه النسخة من الإملاء أن أمير المؤمنين استشار في هذه القضية.

قلت: وما يستشير إلا ليقف على الحق، وجواب المستفتي والمستشير إنما هو الفتوى والإشارة لا المذاكرة! وتبرِّيه من الواقع الذي هو الفتوى مشعر بأنه بيِّنٌ له ضعف ما فاه من الدعوى) (١)، وقال في موضع آخر: (هذه مسألة لم تكن على المذاكرة، وإنما كانت على وجه الاستفتاء، وهو رئيس القوم وأكبرهم سنًّا والمصدر للفتوى) (٢).

وعلى أية حالٍ، فإن إدراك مثل هذه المعنى واستحضاره يعود على العلم والفقيه والمتفقه بفائدة عظيمة ظاهرة، ومن ذلك ما يأتي:

١ - اعتبار اختلاف المقامات بين المجالس الفقهية، وإيلاء كل مقام حظه والتزام رسومه وآدابه ومعرفة أخلاقه؛ لئلا يؤاخذ الفقيه والمتفقه بما لا يلزمهما مما قضت قوانين العلم أو جرت عوائده بالتسامح فيه في بعض المجالس مع التزامه في سائرها. ومن أمثلة ذلك ما يأتي بيانه:

أ- مقام التعليم مقام إجلال وتفخيم للأستاذ؛ لأن مقام المعلم مقام المؤدي والمبلغ لعلم الشريعة، ووصايا أهل العلم بتوقير الشيخ في مجلس الدرس مشهورة متواترة، وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه دونهم بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا


(١) مطالع التمام ونصائح الأنام ومنجاة الخواص والعوام في رد القول بإباحة إغرام ذوي الجنايات والإجرام زيادة على ما شرع الله من الحدود والأحكام (٨٣).
(٢) مطالع التمام (٢٥٣).

<<  <   >  >>