للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تشيرن عنده بيدك، ولا تغمزن بعينيك، ولا تقولن: قال فلان، خلافًا لقوله، ولا تغتابن عنده أحدًا، ولا تسارَّ في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلحَّ عليه إذا كسل، ولا تعرض من طول صحبته؛ فإنما هو بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء) (١)، وقال طاوس (ت ١٠٦ هـ): (من السُّنَّة أن يوقَّر العالم) (٢). وقد أطنب المصنفون في قوانين العلم في بيان الأدب مع الشيوخ والتواضع لهم وترك الاعتراض عليهم وخفض الصوت بحضرتهم، وغير ذلك من الآداب التي ربما أنكرها الجاهل وحملها على غير وجهها من الغلو فيهم واعتقاد العصمة لهم، مما لا يكون مرادًا لهم ولا مقصودًا من كلامهم بحال، وغايته معرفة اختلاف أحوال المجالس واعتبار الفرق بينها، مع حفظ قدر العالم وتبجيله وعدم انتقاصه على أي وجه كان. قال ابن جماعة (ت ٧٣٣ هـ) أثناء تعداده لأدب التلميذ مع شيخه في كلام يوضح شيئًا من ذلك: (التاسع: أن يحسن خطابه مع الشيخ بقدر الإمكان، ولا يقول له: لم؟ ولا: لا نسلِّم، ولا: من نقل هذا؟ ولا: أين موضعه؟ وشبه ذلك، فإن أراد استفادته تلطف في الوصول إلى ذلك. ثم هو في مجلس آخر أولى على سبيل الإفادة) (٣).

فمجلس الدرس قانونه توقير الأستاذ والتواضع له؛ التزامًا للأدب، وإكرامًا للعلم، وتطييبًا لخاطر الأستاذ حتى تتم الفائدة منه ولا ينشغل ذهنه بالاعتراض عليه. وفي هذا يقول ميمون بن مهران (ت ١١٧ هـ): (لا تمار من هو أعلم منك؛ فإذا فعلت ذلك خزن عنك علمه، ولم يضره ما قلت شيئًا) (٤). وقال الزهري (ت ١٢٤ هـ): (كان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم بذلك علمًا كثيرًا) (٥)، بل روي عن أبي سلمة (ت ٩٤ هـ) أنه قال: (لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علمًا كثيرًا) (٦)، وقال ابن جريج (ت ١٥٠ هـ): (لم أخرج الذي


(١) الجامع، الخطيب البغدادي (١/ ١٩٩).
(٢) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٥١٩).
(٣) تذكرة السامع والمتكلم (١٥١).
(٤) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٥١٧).
(٥) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٥١٨).
(٦) الجامع، الخطيب البغدادي (١/ ٢٠٩).

<<  <   >  >>