للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قد استخرجت من عطاء إلا برفقي به) (١). قال الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ): (ويجب على المتفقه ترك المراجعة، وإسقاط المماراة، والصبر على ما يرد من الفقيه) (٢).

فإذا عُلم ما يقتضيه قانون مجلس الدرس من ترك الاعتراض على الشيخ وطرح الجدل والمراء فيه، فليعلم أن مجلس المناظرة ومجلس المباحثة والمذاكرة بخلاف ذلك، فكانوا يراجعون فيها الشيوخ ويسألونهم ويباحثونهم ويعترضون عليهم. قال الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ): (وإذا بلغ الغلام حدَّ المناظرة فينبغي أن لا يكف نفسه عن استيفاء الحجة على من ناظره وإن كان شيخًا) (٣). وقال أبو الوفاء بن عقيل (ت ٥١٣ هـ): (كان الصغير ينبسط على الكبير في المذاكرة والشورى) (٤). ومن أمثلة ذلك ما رواه عبد الرزاق وغيره عن عبيدة السلماني (ت ٧٢ هـ) قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر رضي الله عنه في أمهات الأولاد أن لا يبعن، قال: ثم رأيت بعد أن يبعن.

قال عبيدة: فقلت له: فرأيك ورأي عمر رضي الله عنه في الجماعة أحب إلى من رأيك وحدك في الفرقة-أو قال: في الفتنة-، قال: فضحك عليٌّ رضي الله عنه (٥). وقال أبو طالب الرازي (ت ٥٢٢ هـ): (ومن شرط الفقيه أن يعترض على أستاذه ويصير إلى حالةٍ يمكنه أن يقول لأستاذه: لم؟ ويحسن الاعتراض عليه) (٦)، وقال محمد بن سلام الجمحي (ت ٢٣١ هـ): كنا في مجلس أبي عبيدة (ت ٢٠٩ هـ)، فرأى شابًّا ينبسط على المشايخ، فقال: (إذا قلَّ حياء الغلام كثر علمه، وفي غير العلم لم يرج خيره) (٧).


(١) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر (١/ ٥١٩).
(٢) الفقيه والمتفقه (٦٨٥).
(٣) الفقيه والمتفقه (٦٥٤).
(٤) الواضح (٥/ ٢٠٨).
(٥) مصنف عبد الرزاق، كتاب الطلاق، باب بيع أمهات الأولاد (١٣٢٢٤). ولذلك أمثلة أخرى كثيرة سيأتي ذكر بعضها.
(٦) طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٧/ ١٨٠)، وانظر: روضة الإعلام، ابن الأزرق (٢/ ٧١٦).
(٧) الفقيه والمتفقه (٦٥٥).

<<  <   >  >>