للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العويصة ربما طرده) (١). ولما حضر الموفق بن قدامة (ت ٦٢٠ هـ) ومعه جماعة من الفقهاء بعض مجالس المناظرة بدمشق قالوا للحافظ عبد الغني (ت ٦٠٠ هـ): اقعد أنت لا تجيء فإنك حاد ونحن نكفيك (٢).

فهذه الحدة ربما حملت الفقيه على ما لا يرتضيه وقت الرضا، وبهذا يعلم وجه ما ينقل عن طوائف من الفقهاء في أحوال المناظرة. قال أبو الفتح بن برهان (ت ٥١٨ هـ): (فإن قال: فقد نقل عن الصحابة أنهم أنكروا على المخالف في مسائل الفروع، كقول ابن عباس رضي الله عنه: ((من شاء باهلته) أي: لاعنته. وكقول علي رضي الله عنه: ((من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه)). قلنا: بل المعلوم من سِيَرِهم قطعًا أن الخلاف ما حملهم على التبديع، وأما هذه الألفاظ المنقولة فلها محامل صحيحة، فإن ابن عباس رضي الله عنه إنما قال ذلك في حدة المناظرة، وإلا فهو أتقى لله تعالى من أن يعتقد الفسق في عمر رضي الله عنه. وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه قصد بهذا الكلام منع العامي عن الخوض في هذه المسألة العويصة، وإلا فقد قال في الجد برأيه) (٣).

ج- هل يلزم المفتي أن يذكر دليل الفتيا في مجلس الإفتاء؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم (٤)، والذين منعوا من ذلك اعتبروا حال مجلس الإفتاء، وأن مقام المفتي مقام المخبر عن الحكم، لا مقام المعلم الذي يشرح الأقوال والأدلة، ولذا كان بعض الفقهاء يكتفي في أجوبة الفتاوى بـ (نعم) و (لا) (٥).

قال أبو عمرو بن الصلاح (ت ٦٤٣ هـ): (لا ينبغي للعامي أن يطالب المفتي بالحجة فيما أفتاه به، ولا يقول له: لم؟ وكيف؟ فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة في ذلك سأل عنها في مجلس آخر، أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة عن الحجة) (٦).


(١) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٣٤٥).
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٣/ ٣١).
(٣) الوصول إلى الأصول (٢/ ٣٥٠).
(٤) انظر الأقوال وحجتها في: الفتوى في الشريعة الإسلامية، د. عبد الله الخنين (٢/ ٢٩٣).
(٥) انظر على سبيل المثال: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٣/ ٣٧٢).
(٦) أدب الفتوى (١٥٢).

<<  <   >  >>