للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(ت ١٨٢ هـ) يفتي أصحابه ولا يجيب غيرهم في المسائل، وقال في رجلين تقدَّما إلى القاضي ففطن أنهما تقدما إليه ليعلما ما يقضي لهما في ذلك: إذا علم ذلك أقامهما؛ لأنه نُصب لفصل الخصومات لا لتقلين الخصوم وتعليمهم المخارج (١). ومنهم من منع أو كره الإفتاء في مسائل القضاء دون غيرها، قال الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ): لا يفتي القاضي في مسائل القضاء وأما في غير ذلك فلا بأس به (٢). فإذا كان الأمر كذلك فمجلس القضاء وغير مجلس القضاء في ذلك سواء (٣).

ثم إن من الفقهاء من لم ير بإفتاء القاضي بأسًا. قال السرخسي (ت ٤٩٠ هـ): (والأصح عندنا أنه لا بأس له أن يفتي إذا كان أهلًا لذلك، وقد كان الخلفاء الراشدون رضي الله عنه يقضون بين الناس ويفتون. والقضاء في الحقيقة فتوى إلا أنه فتوى فيه إلزام، ولذا كان القاضي في الصدر الأول يسمى مفتيًا) (٤).

هـ- مقام المفتي أخص من مقام الفقيه المعلم والمصنف؛ لأن المفتي ينظر في صورة جزئية وينزِّل ما تقرر في عموم كلام الفقهاء عليها، مع اعتبار خصوص المسألة التي ربما خرجت عن حكم نظائرها أو بعضه لسبب خاص اقتضى ذلك مما تجري به قواعد السياسة الشرعية، وهذا مقام زائد بحاجة إلى مزيد ملكة وعناية ومعرفة، ولذا فإن العالم ربما وصف بالفقه والحفظ غير أنه لا يكون له طبع في الفتوى (٥).

قال تقي الدين السبكي (ت ٧٥٦ هـ): (ولهذا نجد كثيرًا من الفقهاء لا


(١) انظر: صنوان القضاء، الأشفورقاني (١/ ١٦٩)، الفتاوى الهندية (٣/ ٣٢٨).
(٢) تبصرة الحكام، ابن فرحون (١/ ٣٣)، وانظر: المبسوط، السرخسي (١٢/ ٥١)، حاشية الدسوقي (٤/ ١٣٩)، الشرح الكبير، شمس الدين بن قدامة (٢٨/ ٥٥٤).
(٣) انظر: المحيط البرهاني، ابن مازه (١٢/ ١٨٠).
(٤) المبسوط (١٢/ ٥٢)، وانظر: أدب الفتوى، ابن الصلاح (٥٨). وجاء في أخبار القضاة لوكيع (١/ ٢٨٨): (وقال أبو عبيدة: كان ابن عباس رضي الله عنه يفتي الناس ويحكم بينهم... والقاضي يومئذٍ يدعى المفتي).
(٥) انظر على سبيل المثال: المعجم، ابن الآبار (٢٥)، في ترجمة أبي جعفر البطروجي.

<<  <   >  >>