للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سلمة (ت ١٦٧ هـ) عن إياس بن معاوية (ت ١٢٢ هـ) أنه قال: (لا تنظر إلى ما يعمل الفقيه؛ فإنه يصنع الأشياء يكرهها، ولكن سله يخبرك بالحق) (١).

ولأجل هذا المعنى وغيره كان أهل العلم يؤكدون على ضرورة تلقي العلم من الشيوخ، وعدم الاكتفاء عنهم بمطالعة الكتب؛ لأن من العلم ما لا ينقل في الكتب. والتأليف صناعة يمهر فيها خلق ولا يحسنها آخرون، وربما كان الفقيه حسن التعليم غير أنه لا يحسن نقل ذلك إلى الكتاب. ومن ثمَّ تواترت نصيحة العلماء بملازمة الشيوخ والقراءة عليهم. بل إن من الناس من يفسِّر صعوبة بعض الكتب بتعمد أصحابها ذلك حرصًا منهم على أن يؤخذ العلم من أهله، وأن يفيد الطالب من أخلاق الشيخ وخبرته ومهارته التي يتعذر نقلها (٢). يقول الخليل بن أحمد (ت ١٧٠ هـ): (من الأبواب ما لو نشاء أن نشرحه حتى يستوي في علمه القوي والضعيف لفعلنا، ولكنا نحب أن يكون للعالم مزية) (٣). ولما كتب أبو سعيد السيرافي (ت ٣٦٨ هـ) كتابه ((الإقناع)) في النحو قال عنه ابنه يوسف (ت ٣٨٥ هـ): (وضع أبي النحو في المزابل بالإقناع)، يريد أنه سهّله حتى لا يحتاج إلى مفسّر (٤).

فمجالسة الشيوخ ومشافهتهم والأخذ عنهم لها أثرها الكبير في العلم والتربية والترقي بالمتفقه من صغار العلم إلى كباره في المسائل والسلوك. قال أبو إسحاق الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ): (فكم من مسألة يقرئها المتعلم في كتاب ويحفظها ويرددها على قلبه فلا يفهمها، فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة، وحصل له العلم بها بالحضرة، وهذا الفهم يحصل إما بأمر عادي من قرائن أحوال، وإيضاح موضع إشكال لم يخطر للمتعلم ببال، وقد يحصل بأمر غير معتاد، ولكن بأمر يهبه الله للمتعلم عند مثوله بين يدي المعلم، ظاهر الفقر بادي الحاجة إلى ما يلقي إليه. وهذا ليس ينكر؛ فقد نبه عليه الحديث الذي


(١) أخبار القضاة، وكيع (١/ ٣٥٠).
(٢) انظر: جولات في الفقهين الكبير والأكبر وأصولهما، سعيد حوى (٢١).
(٣) البصائر والذخائر، التوحيدي (٣/ ١٢٤).
(٤) معجم الأدباء، ياقوت الحموي (٢/ ٨٧٨).

<<  <   >  >>