للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يلزم سارية من السواري، فنحن أعلم بالحكم منك) (١).

وحكى ابن الصلاح (ت ٦٤٣ هـ) عن عبد الغافر الفارسي (ت ٥٢٩ هـ) أنه قال في أبي حامد البيهقي الشافعي: (ورأيته كان يحضر مجالس المناظرة، وحظُّه في حفظ المذهب أوفر منه في الخلاف، وكان محترمًا معظَّمًا عند الصدور والأئمة لفضله ولفتواه) (٢). وقال ابن السبكي (ت ٧٧١ هـ) في ترجمة أبي المظفر الخوافي (ت ٥٠٠ هـ): (كان في المناظرة أسدًا لا يصطلي له بنار، قادرًا على قهر الخصوم وإرهاقهم إلى الانقطاع. قال معاصروه: رزق من السعد في المناظرة كما رزق الغزالي من السعد في المصنفات) (٣). وقال ناصح الدين بن الحنبلي (ت ٦٣٤ هـ) في وصف ابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ): (وكانت مجالسه أكثر فائدة من مجالسته) (٤).

فالناس طبائع شتى، وأحوال القيام بين الناس متفاوتة، وليس من شرط العالم أن يكون رابط الجأش مستجمع الفؤاد، وربما حَصِر العالم في المحفل الكبير فأسعفه من هو أقل منه علمًا، أو عزبت عنه مسألة فذكره بها من هو في طبقة تلامذته، فحفظ المسألة وفهمها شيء واستحضارها عند دعاء الحاجة إليها شيء آخر. قال أبو الحسن الماوردي (ت ٤٥٠ هـ): (ومما أنذرك به من حالي أنني صنفت في البيوع كتابًا جمعت فيه ما استطعت من كتب الناس، وأجهدت فيه نفسي وكددت فيه خاطري، حتى إذا تهذب واستكمل وكدت أعجب به وتصورت أنني أشد الناس اضطلاعًا بعلمه، حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان فسألاني عن بيع عقداه في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل، لم أعرف لشيء منها جوابًا، فأطرقت مفكِّرًا وبحالي وحالهما معتبرًا، فقالا: ما عندك فيما سألناك جواب وأنت زعيم هذه الجماعة؟ فقلت: لا.

فقالا: إيهًا لك. وانصرفا. ثم أتيا من قد يتقدمه في العلم كثير من أصحابي،


(١) أخبار القضاة، وكيع (١/ ٣٣٨).
(٢) طبقات الفقهاء الشافعية، ابن الصلاح (١/ ٣٥١).
(٣) طبقات الشافعية (٦/ ٦٣).
(٤) الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٢/ ٤٨٣).

<<  <   >  >>