للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فكان صلى الله عليه وسلم خير المعلِّمين وكانوا خير المتعلمين رضي الله عنهم. قال أبو إسحاق الشيرازي (ت ٤٧٦ هـ): (اعلم أن أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين صحبوه ولازموه كانوا فقهاء) (١). وقال أبو شامة المقدسي (ت ٦٦٥ هـ): (والفقه كان شعار أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين صحبوه ولازموه، ورُزقوا فهم ما تلقوه عنه وسمعوه) (٢).

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس في مسجده ويلتف حوله أصحابه رضي الله عنه على هيئة الحلقة التي هي كالهضبة الشماء، والذروة التي تفاخر بها الأرض السماء، وقد سبق من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه في حديث النفر الثلاثة: (فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا) (٣). وكان الصحابة رضي الله عنه يتنافسون في مجلسه صلى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة: ١١]، قال قتادة (ت ١١٧ هـ): (كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلًا ضنُّوا بمجلسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض) (٤). وقد كان له صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه رضي الله عنه من الجلالة والهيبة وعظم الشأن ونفوذ الأمر ما أغناه الله به عن تكلف هيئة سوى هيئة المتخشع (٥)،


(١) طبقات الفقهاء (٣٥)، وانظر: تنمية مهارة الاستنباط الفقهي في المنهج التعليمي النبوي، د. أنور الشلتوني، ضمن أعمال ندوة (صناعة التميُّز وتنمية المهارات في السُّنَّة النبوية) بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي (١/ ٢٣٣).
(٢) خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول (٦٤).
(٣) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس (٦٦)، صحيح مسلم، كتاب السلام، باب من أتى مجلسًا فوجد فرجة فجلس فيها (٢١٧٦).
(٤) تفسير الطبري (٢٢/ ٤٧٧). والتفسير على إفراد (المجلس) وهي قراءة سوى عاصم (ت ١٢٧ هـ)، وقال مكي بن أبي طالب (ت ٤٣٧ هـ) في تأويل قراءة عاصم: (قرأه عاصم بالجمع لكثرة مجالس القوم، فهو وإن أريد به مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فإن لكل واحد ممن هو في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا، فجُمع لكثرة ذلك). الكشف عن وجوه القراءات السبع (٢/ ٣١٤).
(٥) روى أبو داود في كتاب الأدب، باب جلوس الرجل (٤٨١٤) من حديث قليلة بنت مخرمة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء، قالت: فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المختشع-وفي لفظ: المتخشع-في الجلسة أُرعدتُ من الفرق.

<<  <   >  >>