للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ببركته صلى الله عليه وسلم، حتى قال بعض الأصوليين: لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته) (١). ثم إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مجلس التعليم من مجالس الكمال في الإفتاء والقضاء والإصلاح والنصيحة والتأديب وسائر مراتب الرسالة ما هو فيه أسوة لأمته وقدوة لهم (٢). والعلماء والفقهاء بعده تبع له صلى الله عليه وسلم وورثة في تبليغ الدين وحمله والجلوس في مجالس الفقه المختلفة في أغراضها ومقاصدها.

ثم إن الصحابة رضي الله عنهم ساروا في الأرض بعد النبي صلى الله عليه وسلم مسار الرياح اللواقح المبشِّرات، فكانوا يلقون حيث حلوا من البلاد من حملة العلم والفقه من يتلقى عنهم ما تحملوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والإيمان، فظل يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له، وقامت سوق العلم وعمرت مجالس الفقه أمصار المسلمين في كل أرض بلغتها خيولهم.

وكان طالب الفقه يجالس الفقيه ويلزمه، ويصبر على ما يلقاه من التعب والنصب، ويحتمل الخوض في دقائق العلم وعويص المسائل، ولا يترك ملازمة الفقهاء حتى يفقه مثلهم. فقد روي أنه اجتمع إبراهيم الحربي (ت ٢٨٥ هـ) وأحمد بن يحيي ثعلب (ت ٢٩١ هـ) فقال ثعلب لإبراهيم: متى يستغنى الرجل عن ملاقاة العلماء؟ فقال له إبراهيم: إذا علم ما قالوا، وإلى أي شيء ذهبوا فيما قالوا (٣). وقيل لأبي حنيفة (ت ١٥٠ هـ): في المسجد حلقة ينظرون في القه. فقال: لهم رأس؟ قالوا: لا. قال: لا يفقه هؤلاء أبدًا (٤).

فملازمة المتفقه للفقيه ضرورة تعليمية لا يمكن أن يتفقه طالب الفقه بدونها، فإن العلماء ورثة النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة بملازمتهم للنبي صلى الله عليه وسلم أخذوا عنه العلم والإيمان والعمل والتقوى فكان أسوة لهم في شأنهم كله، وهم في تفقههم وتعلمهم من النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتعلمون من كلامه وسكوته وقوله وفعله


(١) الفروق (٤/ ١٣٠٥).
(٢) انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور (٢١٢).
(٣) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي (٦/ ٥٣٣).
(٤) الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٥٦٥).

<<  <   >  >>