للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بورك لسحنون في أصحابه، إنهم في كل بلد أئمة) (١). وقال ابن خلكان (ت ٦٨١ هـ) في سيرة أبي القاسم الفوراني (ت ٤٦١ هـ): (وانتهت إليه رئاسة الطائفة الشافعية، طبَّق الأرض بالتلامذة) (٢). وقال أبو إسحاق الشيرازي (ت ٤٧٦ هـ): (خرجت إلى خراسان، فما دخلت بلدة ولا قرية إلا وكان قاضيها أو مفتيها أو خطيبها تلميذي أو من أصحابي) (٣).

وصناعة التعليم صناعة كسائر الصناعات التي تتجدد ويزداد إحكامها بمرِّ الزمان بما يبقى مع الأيام من تجارب المهرة ووصايا الحكماء. قال أبو بكر الرازي (ت ٣١١ هـ): (الصناعات لا تزال تزداد وتقرب من الكمال على الأيام، وتجعل ما استخرجه الرجل القديم في الزمان الطويل للذي جاء من بعده في الزمان القصير، حتى يُحكمه ويصير سببًا يُسهِّل له استخراج غيره به، فيكون مثل القدماء في هذا الموضع مثل المكتسبين، ومثل من يجيء من بعد مثل المورَّثين المسهَّل لهم ما ورثوا اكتسابًا أكثر وأكثر) (٤). وليس يلزم من ذلك أن يكون من تأخر أحسن تعليمًا ممن تقدم، فقد استقرَّ في الأفهام أن سادة علماء الشريعة وخير معلِّميها إنما كانوا في الزمان الأول، بل يجتهد المتأخرون في التعرف على طرائقهم والاقتداء برسومهم وأخلاقهم، وتدارك ما فات من الجد والحرص والبيئة المساعدة بما تسعف به أحوال الزمان من هيئات التعليم ووسائل الترغيب والترهيب، كما يستنبط المتأخرون قواعد الفقه وأصول الاستنباط ممن مضوا وإن كانوا أقعد بالفقه وأعلم به ممن تأخر. قال حماد بن زيد (ت ١٧٩ هـ): قيل لأيوب (ت ١٣١ هـ): العلم اليوم أكثر أم قلَّ اليوم؟ قال: (الكلام اليوم أكثر، والعلم كان قبل اليوم أكثر) (٥).


(١) ترتيب المدارك (٢/ ٩٩).
(٢) وفيات الأعيان (٣/ ١٣٢).
(٣) طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٤/ ٢١٦).
(٤) كتاب الشكوك على جالينوس (٤٢). وقد ذكر تاج الدين السبكي في ترجمة والده تقي الدين كتابًا له سمَّاه: ((إحياء النفوس في صنعة إلقاء الدروس)). انظر: طبقات الشافعية الكبرى (١٠/ ٣١٠).
(٥) المعرفة والتاريخ، الفسوي (٢/ ٢٣٢).

<<  <   >  >>