للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في مجالس التعليم في المساجد في الجملة إنما هو علمهم وتأهلهم للانتصاب للتعليم هذه المدة الطويلة واستقبال أسئلة الطلبة والسائلين والمباحثة معهم والصبر على ذلك، مما لا يحتمله ضعيف العلم والأهلية والإرادة، ومع ذلك فالعريُّ من العلم والضعيف فيه لا يقبل إليه الناس والطلبة بوجوههم، ولا يحظى بالقبول ولا النصيحة عند العامة والخاصة. ولذا كانت الجوامع محلًا لجلوس العلماء الكبار، لا سيما الجوامع المشهورة في الأزمنة العلمية الزاهرة، كالحرمين الشريفين (١)، وجامع الكوفة، وجامع المنصور ببغداد، والجامع الأزهر، وغيرها من الجوامع التي تكون قبلة للعلم في زمانها حتى يكون من أمنية العالم أن يقعد للتعليم فيها، وربما اختصت جهة منها بأكابر العلماء في وقتهم، كقبة النسر في جامع بني أمية بالشام، حيث كان التدريس تحتها منوطًا بأكابر العلماء (٢)، وقال ابن حجر الهيتمي (ت ٩٧٤ هـ) واصفًا الجامع الأزهر في زمانه: (كل ذلك بالجامع الأزهر الذي ليس على وجه الأرض بقعة جمعت من علماء الأمة وصلحائهم، والجهد في طلب العلم وتعلمه وتعليمه والدأب في ذلك الليل والنهار مثلُه، بحيث أجمعوا على أنه لم يقع منذ أزمان وإلى الآن أنه خلي عن علم أو ذكر ساعة من ليل أو نهار، وفيه من عدة الدروس والمصنفين والمفتين والعلماء العاملين ما يعجز الوصف عن الإحاطة بهم، ومن تأمل (الضوء اللامع) للسخاوي (ت ٩٠٢ هـ) أحاط ببعض ما ذكرته) (٣).

وللدراسة في الجوامع أحكام تختص بها أفاض الفقهاء في بيانها وذكر الخلاف الجاري في شيء منها، كرفع الصوت في التعليم وجريان المناظرة والمجادلة فيها، ودخول الصبيان وتعليمهم فيها، ونحو ذلك من الأحكام التي


(١) انظر: المسجد الحرام، د. عبد الوهاب أبو سليمان (١/ ١٦٨)، حيث ذكر أن علماء مكة المتأخرين كانوا يقرنون باسمهم في مؤلفاتهم لقب (المدرّس بالمسجد الحرام) استشعارًا لمكانته العلمية.
(٢) انظر: الجامع الأموي، حسن الصواف (٢/ ٥٨٥)، وقد أفرد الشيخ عبد الرزاق البيطار (ت ١٣٣٥ هـ) رسالة في الذين درَّسوا تحت قبة النسر سماها ((نتيجة الفكر)).
(٣) ثبت ابن حجر الهيتمي (٤١٧).

<<  <   >  >>