للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ربما افترقت فيها الجوامع عن غيرها (١).

ب- المدارس:

يرجع تاريخ نشأة المدارس إلى أواسم وأواخر القرن الرابع الهجري، غير أن المدارس تطورت في طبيعتها وأنظمتها في القرن الخامس على يد نظام الملك (ت ٤٨٥ هـ)، ثم فشت وانتشرت انتشارًا عظيمًا بعد ذلك زمن الزنكيين والأيوبيين والمماليك ومن بعدهم، حتى قال ابن بطوطة (ت ٧٧٩ هـ) في وصفه لمصر: (وأما المدارس بمصر فلا يحيط أحد بحصرها لكثرتها) (٢).

والمدارس في جملة أمرها خاضعة لشرط الواقف ويقوم الناظر على رعاية هذا الشرط، وإن كان العز بن عبد السلام (ت ٦٦٠ هـ) أفتى بأن متولي تدريس المدرسة هو الذي يقرر مقدار الجامكية (الرواتب والأرزاق) للفقهاء وينزلهم، وليس للناظر في الوقف إلا تحصيل الريع وقسمته على المنزلين (٣).

وغالب أحوال المدارس أن تختص بمذهب من المذاهب الأربعة، وربما اجتمع في المدرسة الواحدة مذهبان أو أكثر، وربما اشتملت على المذاهب الأربعة معًا، بحيث يكون لكل مذهب إيوان للتدريس، ويكون في شرط الواقف وعمل المتولي تنظيم لطبيعة سير العملية التعليمية واختصاصات فقهاء وطلبة كل مذهب، وتعقد في هذه المدارس مجالس التعليم والمناظرة والمذاكرة والمباحثة والوعظ، ويجري كل ذلك بترتيب يجمع بين النظام والمرونة، وبين المدارس اختلاف وتفاوت لا يخفى في ذلك (٤).


(١) انظر طرفًا من ذلك في: الآداب الشرعية، ابن مفلح (٤/ ٢٧)، المدخل، ابن الحاج (١/ ١٩٧) وما بعدها، إعلام الساجد، الزركشي (٣٩٢) وما بعدها.
(٢) تحفة النظار (١/ ٢٠٣). وقد تكلم كثيرون في نشأة المدارس في الإسلام وبداياتها الأولى، ومنهم د. ناجي معروف في كتبه: ((نشأة المدارس المستقلة في الإسلام))، و ((مدارس قبل النظامية))، و ((علماء النظاميات ومدارس المشرق الإسلامي)). وانظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية (٣٥/ ٤١)، طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٤/ ٣١٤).
(٣) إعلام الساجد، الزركشي (٣٩٧).
(٤) يمكن الرجوع إلى كتب تاريخ المدارس المشار إليها، كـ ((الدارس)) للنعيمي، و ((تاريخ علماء المستنصرية)) لناجي معروف، وغيرها للاطلاع على أنواع المدارس واختصاصاتها وتراتيبها، وانظر على سبيل المثال: تذكرة السامع والمتكلم، ابن جماعة (٢٥٩) وما بعدها، نهاية الأرب، النويري (٣٢/ ٤٦)، التعليم في مصر زمن الأيوبيين والمماليك، د. عبد الغني عبد العاطي (٦١) وفي (٦٥).

<<  <   >  >>