للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ هـ): (وإن كان في جملة المتفقهة حدث أو صبي له حرص على التعلم، أو آنس الفقيه منه ذكاء أو فطنة، فليقبل عليه، ويصرف اهتمامه إليه) (١).

وقال عبد الله بن عبيد بن عمير: كان في هذا المكان خلف الكعبة حلقة، فمر عمرو بن العاص رضي الله عنه يطوف، فلما قضى طوافه جاء إلى الحلقة فقال: (مالي أراكم نحَّيتم هؤلاء الغمان عن مجلسكم؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم وأدنوهم وأفهموهم الحديث؛ فإنهم اليوم صغار قوم، ويوشكوا أن يكونوا كبار آخرين، قد كنا صغار قوم ثم أصبحنا كبار آخرين) (٢). وقال أشهب (ت ٢٠٤ هـ) في سحنون (ت ٢٤٠ هـ): (ما قدم إلينا من المغرب مثله، ولقد حثه ابن القاسم (ت ١٩١ هـ) على أن يقيم عنده يطلب العلم، ويدع الخروج إلى الغزو، لما استفرس فيه) (٣).

ويكون همُّ العالم منصرفًا لاختيار من يأنس منه حسن الفهم والفطنة؛ لأن ذلك جوهر الفقه وحقيقته، وهو أيسر وأسرع في تعليمه، وقد قال محب الدين بن نصر الله البغدادي الحنبلي (ت ٨٤٤ هـ): (قليل من الفهم خير من كثير من الحفظ) (٤). وقال أبو الفتح الشهرستاني (ت ٥٤٨ هـ): (لا تَعِب إنسانًا بما لا يمكن أن يعلم) (٥).

فإن انضم إلى ذلك صلاح البيت الذي هو منه واستقامة أحوال ذويه كان التعليم أكثر ملاقاة لغرضه. قال ابن المعتز (ت ٢٩٦ هـ) في كلام شريف جدًّا: (ما ينفع ولد الملك من تأديب المؤدبين إياه، وهو يغدو ويروح فيراه على خلاف ما يأمره به المؤدبون؟ ولم يزل الباطل على نفوس الرجال أخف محملًا وأحلى طعمًا فكيف الصبيان؟ المؤدب يأمر الغلام بألا يشتم أحدًا ويتجنب


(١) الفقيه والمتفقه (٦٥٢).
(٢) المدخل إلى السنن الكبرى، البيهقي (٢/ ١٥٤).
(٣) ترتيب المدارك، القاضي عياض (٢/ ٧٩).
(٤) الذيل على رفع الإصر، السخاوي (٣٣٣).
(٥) تاريخ حكماء الإسلام، ظهير الدين البيهقي (١٤٣).

<<  <   >  >>