للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المحارم ويحسِّن خلائقه، ويعلمه من الفقه الأبواب التي لا غنى بمسلم عن معرفتها، ومن الشعر الشاهد والمثل، ومن الإعراب ما يصلح به لفظه، ومن الغزل أعفَّه، وهو يرى أباه في كل ساعة بخلاف ما يؤمر به، وتاركًا لما خُصَّ عليه، حتى إنه ليستثقل اللفظة تجري في مجلسه بإعراب، ويصدُّ عن منشد لبيت شعر، ولا يخاطب غلامه ولا يمازح جليسه إلا بالشتم واللعنة، ولا يحتشم من ورود محرم، ولا يتقي كبيرة، ثم يراه مع ذلك وقد بلغ غاية آماله من الدنيا! فيوشك أن يحدِّث نفسه بأن أباه لا يخلو من أن يكون علم ما يُسام فاطَّرحه ورأى أنه لا خير فيه، أو لم يعلم شيئًا من ذلك فلم يضره جهله إياه، ولا صرف عنه حظًّا من دنياه، وكلا المعنيين مزهِّد له في قبول الأدب، ومزيِّن له ترك عنائه وربح تعبه فيه) (١).

ويكون مع هذا للمتعلم همة وحافز من نفسه على التعلم، وإقبال على مجالسه ولزوم لشيوخه، فـ (إنما يرجو العلم من انبعثت جمرة في قلبه تذكِّره ضياع أيامه، وتنسيه جميع أولاده وأمواله) (٢).

وللمتعلم مع شيوخه وأقرانه وفي نفسه أثناء دراسته وتعلمه آداب أفاض العلماء في شرحها وبيان أحوالها وما يستعمله المتعلم منها في كافة شؤونه، مما يرجى بملاحظتها ودوام التخلُّق بها نيل بركة التعليم وحصول كمال الغرض منه (٣).

رابعًا: المادة التعليمية:

هناك عوامل عدة تؤثر في اختيار المادة التعليمية التي تشتمل عليها مجالس التدريس، غير أن هناك حرية كبيرة وتنوعًا ثريًّا واختلافًا واسعًا تختلف


(١) نثر الدر، الآبي (٣/ ١٥٩).
(٢) رسائل اليوسي (١/ ١٧٣).
(٣) انظر: رياضة المتعلمين، ابن السَّني (١٦١)، تذكرة السامع والمتكلم، ابن جماعة (١٠٩)، روضة الإعلام، ابن الأزرق (٢/ ٦٨٦)، المعيد في أدب المفيد والمستفيد، العلموي (١٠١)، القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم، اليوسي (٣٣٤)، أدب المتعلم تجاه المعلم في تاريخنا العلمي، د. عبد الحكيم الأنيس (٣١).

<<  <   >  >>