للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

به الأقاليم والمدن، بل والمدارس في المدينة الواحدة في اختيار الكتاب الذي يدرس أو يقرأ، وفي طريقة الدراسة والقراءة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ): (وأما ما تعتمد عليه من الكتب في العلوم، فهذا باب واسع وهو أيضًا يختلف باختلاف نشء الإنسان في البلاد، فقد يتيسر له في بعض البلاد من العلم أو من طريقه ومذهبه فيه ما لا يتيسر له في بلد آخر) (١). غير أن من رسوم التدريس التي يعاب من لم يلتزم بها بعد حسن اختيار الكتاب، ألا ينتقل المعلم ولا المتعلم عن الكتاب إلا بعد إتمامه؛ لأن التنقل من كتاب إلى كتاب (علامة على الضجر واللعب وعدم الفلاح) (٢)، كما قاله ابن جماعة (ت ٧٣٣ هـ).

والواجب التأني والمشاورة في اختيار الكتاب؛ لئلا تذهب الأيام فيما فائدته قليلة أو فيما غيره أنفع منه، والكتب متفاوتة في نفسها وليست على وزان واحد في اكتساب الملكة. قال تاج الدين السبكي (ت ٧٧١ هـ) بعد ذكره لبعض الكتب: (والكتاب المذكور أعجوبة في بابه، بالغ في الحسن أقصى الغايات، إلا أن المرء لا يصير به فقيهًا ولو بلغ عنان السماء. وهذه الطائفة تضيع في تفكيك ألفاظه وفهم معانيه زمانًا لو صرفته إلى حفظ نصوص الشافعي وكلام الأصحاب لحصلت على جانب عظيم من الفقه، ولكن التوفيق بيد الله تعالى) (٣).

وربما كان الكتاب المشروح في مجالس التعليم مصنَّفًا مشهورًا لبعض الفقهاء، أو يكون تعليقة يمليها الفقيه على تلامذته (٤). قال أبو علي الفارقي (ت ٥٢٨ هـ) حاكيًا رحلته إلى أبي إسحاق الشيرازي (ت ٤٧٦ هـ) للدراسة عليه: (فنزلت في خانٍ حذاء مسجد أبي إسحاق بباب المراتب، وكان يسكنه أصحاب الشيخ ومن يتفقه عليه، فإذا كثرنا كنا حوالي العشرين، وإذا قل عددنا


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٦٦٤).
(٢) تذكرة السامع والمتكلم (٢٨٨).
(٣) معيد النعم ومبيد النقم (٨٣).
(٤) انظر: نشأة الكليات، جورج مقدسي (١٢٨).

<<  <   >  >>