للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الذين يتفقهون فيه كالتعليقات المذكورة، وبعضها يكون تعليقًا في مسائل الخلاف للتلامذة المتقدمين الذين فرغوا من معرفة المذهب (١). وهي متفاوتة كذلك في تحريرها واعتمادها وفرح الفقهاء بها، فمنها ما يعوزه التحرير، ومنها ما يقبل عليه الفقهاء تعلُّمًا وتعليمًا، كتعليقة القاضي الأصبهاني (ت ٥٨٥ هـ) التي (شهدت بفضله وتحقيقه وتبريره على أكثر نظرائه، وجمع فيها بين الفقه والتحقيق، وكان عمدةُ المدرسين في إلقاء الدروس عليها، ومن لم يذكرها فإنما كان لقصور فهمه عن إدراك دقائقها) (٢)، كما يقول ابن خلكان (ت ٦٨١ هـ). ومن شواهد العناية البالغة من الفقهاء بتعليقاتهم ما روي من أن ابن المحاملي (ت ٤١٥ هـ) لما صنف كتبه ((المقنع)) و ((المجرد)) وغيرهما من تعليق أستاذه أبي حامد (ت ٤٠٦ هـ) ووقف عليها، قال: بتر كتبي بتر الله عمره (٣).

وعند التأمل في التعليقات الفقهية نلاحظ أن هذا النمط من التصنيف فشا في أواخر القرن الرابع وفي القرن الخامس والسادس (٤)، وهي عصور ازدهار تدوين المذاهب الفقهية، ثم إن التعليقات قلَّت بعد ذلك إلا أن تكون بمعنى التحشية على مصنَّف آخر، كأن يقال: تعليقة على التنبيه، أو تعليقة على المقنع (٥). وبعد هذه القرون فالغالب قراءة مصنف فقهي من المصنفات المعتمدة في كل مذهب من المذاهب الأربعة، فيدرِّسه الشيخ أو يُقرأ عليه.

وكان الشيخ ربما درَّس كتابه أو قُرئ عليه، كما كان الجويني (ت ٤٧٨ هـ) يُدرِّس ((نهاية المطلب)) للخواص من تلامذته (٦)، وكما قرأ جماعة كتاب


(١) انظر على سبيل المثال: الجواهر المضية، ابن أبي الوفاء (٣/ ٦٧)، الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٢/ ٣٥٩).
(٢) وفيات الأعيان، ابن خلكان (٥/ ١٧٤).
(٣) طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٤/ ٤٩).
(٤) انظر: كشف الظنون، حاجي خليفة (١/ ٤٢٣).
(٥) انظر على التوالي: طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٨/ ٣١٥)، المقصد الأرشد، البرهان بن مفلح (١/ ٢١٥).
(٦) طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٥/ ١٧٧).

<<  <   >  >>