للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الزمانية والمكانية، وطبيعة سير إلقاء الدرس وعمل الفقيه والمتفقه في ذلك، وما أشبه ذلك من التراتيب العلمية والإدارية التي جرى عليها الحال في أماكن التعليم من جوامع ومدارس وغيرها. وهذه النظم مكتسبة من الأعراف العلمية المتبعة في التدريس، ويصوغها طريقة الشيخ وشرط الواقف، وبينها تفاوت وتنوع فليست على شاكلة واحدة، ومع ذلك فثمَّ رسوم وآداب تواطأ الفقهاء على استعمالها في مجلس التدريس لحصول النفع بها.

فإذا جلس الناس مجالسهم شرع الشيخ في الدرس فيلقي المسائل، أو يقرأ بعض الطلبة مصنَّفًا في الفقه له أو لغيره. وربما اشترك الطلبة في درس واحد، أو كان لكل طائفة منهم درس، فيقدم من كان له السبق أولًا. فإن كان الدرس واحدًا لجميعهم جلس الفقيه والتفَّ به الطلبة كالحلقة أو الحلقات المتداخلة فيما بينها (١). وجلوس العالم في حلقة كثير في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه عمل العلماء والفقهاء (٢).

فإذا جلس العالم تحلَّقوا وأوسعوا الحلقة، وجلس الشيخ مستقبل القبلة إن أمكن، ويجلس المتعلم حيث انتهى به المجلس، ويسلم على الحاضرين (٣)، ولا يتخطى الرقاب إلا إن صرَّح له الشيخ والحاضرون بالتقدم أو كان يعلم إيثارهم لذلك (٤). والقرب من الشيخ في المكان كان له دلالة على تقدم التلميذ في الفقه، وبذلك جرت العادة في مجالس التدريس (٥).


(١) انظر: الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٦٣٣).
(٢) انظر: الآداب الشرعية، ابن مفلح (٢/ ١٧٢).
(٣) ذكر بعضهم أن مجالس العلم حال التعليم من المواضع التي لا يسلم فيها، قال ابن جماعة: (وهذا خلاف ما عليه العرف والعمل). تذكرة السامع والمتكلم (٢٠٢). وهذا مثال على ما يجري فيه الاختلاف بين مجالس التعليم مما تجري به الأعراف فيها. ومثله دنوُّ التلامذة من شيخهم في الحلقة أو بعدهم عنه بمقدار قوس ونحوه، انظر: تعليم المتعلم، الزرنوجي (١١)، بينما عدَّ ابن الحاج ذلك مما لا ينبغي فعله وأنه خلاف فعل السلف الذين تمس ثياب الطلبة ثيابهم لقربهم منهم، انظر: المدخل (١/ ١٩٨). وهذه الإجراءات ونحوها لا تقصد لذاتها بل لما يُظن أنها تعود به من النفع على العملية التعليمية في مجلس الدرس.
(٤) انظر: رياضة المتعلمين، ابن السني (١٩٨)، تذكرة السامع والمتكلم، ابن جماعة (٢٠٢).
(٥) انظر: الفقيه والمتفقه، الخطيب البغدادي (٦٣٥)، تذكرة السامع والمتكلم، ابن جماعة (٢٠٦).

<<  <   >  >>