للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(الليث (ت ١٧٥ هـ) أفقه من مالك (ت ١٧٩ هـ)، إلا أن أصحابه لم يقوموا به) (١)، قال ابن حجر الهيتمي (ت ٩٧٤ هـ): (أي: بتفريطهم في تحرير منقول مذهبه على ما ينبغي تفصيلُ كلِّ مطلب عن مشابهه مدركًا ونقلًا وتحريرًا، حتى لم يبق فيه أدنى ريب ولا دخل ولا عيب) (٢).

والطلبة النجباء نعمة من الله تعالى على الفقيه الذي يريد لعلمه أن يبقى في الناس، فينتفعون به من بعده ويصله أجره وثوابه بعد انقطاع عمله، وهم مثار غبطة بين الشيوخ المعلِّمين، وقد ذُكر في ترجمة ابن الحاجب (ت ٦٤٦ هـ) صاحب المؤلفات المشهورة الذائعة أنه لم يرزق طلبة كثيرين، بل كان أهل درسه قليلين جدًّا، حتى إن بعض التلامذة قال لأحد المشايخ المعاصرين له: من منة الله عليك أن جعل طلبتك الذين يحضرون درسك فوق السبعين، وجعل طلبة نظيرك ابن الحاجب أربعة. فقال له الشيخ: اسكت، وددت أن واحدًا من أولئك الأربعة يأتي إليَّ، ويذهب عني إليه السبعون الذين ذكرت أنهم يحضرون درسي (٣).

٢ - في مجالس التعليم سداد الخطط الشرعية التي يحصل بها إقامة الدين، وتعليم فرائضه وسننه وآدابه، والترهيب من المحارم والأمر بتوقيها والحذر من سوء عاقبتها، فلولا مجالس التفقيه ما عرف الناس الحلال والحرام، والواجبات والمنهيات. فالعمل بعلم الشريعة هو المقصود الأعظم من تحمل العلم وبثِّه، وحسن التعبد لله تعالى أجلُّ غايات العلم ومقاصده.

وروي عن أبي حنيفة (ت ١٥٠ هـ) أنه قال: (ثم قلبت الفقه فكلما قلبته أو أدرته لم يزدد إلا جلالة، ولم أجد فيه عيبًا، ورأيت أولًا أن الجلوس يكون مع العلماء والفقهاء والمشايخ والبصراء والتخلق بأخلاقهم، ورأيت أنه لا يستقيم أداء الفرائض وإقامة الدين والتعبد إلا بمعرفته، وطلب الدنيا والآخرة


(١) تاريخ دمشق، ابن عساكر (٥٠/ ٣٥٨).
(٢) ثبت ابن حجر الهيتمي (٥٩).
(٣) ثبت ابن حجر الهيتمي (٤٠٨).

<<  <   >  >>