للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلا به) (١). وإنما جهد العلماء وطوَّفوا البلاد في نشر العلم حرصًا منهم على أن يعبد الله تعالى على بصيرة، وكانوا يدخلون المدن والقرى فيعمرون مساجدها ومجامعها وأنديتها بالعلم حتى فشا العلم وذاع، ومن مظاهر ذلك ما هو ملاحظ من انتساب الفقهاء إلى كافة الفئات والطبقات الاجتماعية، وإلى الحرف والمهن المختلفة، وإلى المدن والقرى والبلدات الصغيرة والقصبات، كما هو ظاهر في أسمائهم وألقابهم، فنجد فيهم الحداد والقفال والبواب والبناء والجصاص والخصاف والنعال والإسكاف والوراق والخياط والعطار والبزار والنجار والقصار واللحام والقصاب والسماك والخلال والزيات والقدوري والأنماطي والبابي والسبكي والطوسي والجويني والغزالي والآمدي والجماعيلي والبهوتي وغير ذلك، مما يدل على مدى انتشار العلم وذيوعه، وقدرة الكبير والصغير والغني والفقير والبعيد والقريب على تحصيله والنبوغ فيه (٢)؛ لأن شأن الفقه شأن الأمة كلها، لا تختص به طائفة دون طائفة، حتى لا يكاد مسلم يخلو من العلم بجملة من أحكامه ومسائله التي تصح بها فرائضه ويستقيم بها تعبده. قال غوستاف لوبون (ت ١٩٣١ م): (فالمسلم أينما مرَّ ترك خلفه دينه) (٣).

٣ - في مجالس التعليم ارتقاء بالحالة العلمية، وفيها تحرير العلم وتحقيقه وتثويره وتنميته. وأكمل أحواله أن يلتئم بالأستاذ البارع طلبة نابهون، فيكون بينهم مساعدة ومشاركة في الغوص في دقائق العلم والفحص عن مشكلاته وغوامضه، إذ الغرض من الدرس ليس السرد المجرد. قال الخطيب ابن مرزوق (ت ٧٨٠ هـ): (ولولا النظر في ترجيح الأقوال والتنبيه على مسالك التعليل ومدارك الأدلة، وبيان بناء الفروع على الأصول وإيضاح المشكل وتقييد المهمل وبيان المجمل، ومقابلة بعض الأقوال ببعض والنظر في تقوية


(١) مناقب الإمام الأعظم، الموفق المكي (١/ ٥٨).
(٢) انظر: صفحات من صبر العلماء، د. عبد الفتاح أبو غدة (٣٦٩)، مهن الفقهاء في صدر الإسلام، د. محمد التميم (١٨٨).
(٣) حضارة العرب (٦١٦).

<<  <   >  >>