للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والتحمل عنهم. قال الأوزاعي (ت ١٥٧ هـ): (ما زال هذا العلم عزيزًا يتلقاه الرجال، حتى وقع في الصحف فحمله-أو دخل فيه-غير أهله) (١). ودعا عبيدة (ت ٧٢ هـ) بكتبه فمحاها عند الموت، وقال: (إني أخاف أن يليها قوم فلا يضعونها مواضعها) (٢).

وما فتئ العلماء ينبِّهون إلى وجوب تلقي العلم عن أهله المتحققين به، ويعيبون من لم يحكم أخذ العلم من طريقهم بضعف التحقيق. قال أبو الزناد (ت ١٣٠ هـ): (لا تأخذوا القرآن من مُصحفيِّ، ولا العلم من صحفيِّ)، قال أبو زرعة (ت ٢٦٤ هـ): (يعني: من لم يقرأ القرآن على القراء، ويتعلم من ألفاظهم، ويجالس أهل العلم نقلًا وسماعًا وفهمًا) (٣)، وقال النووي (ت ٦٧٦ هـ): (ولا يحفظ ابتداءً من الكتب استقلالًا، بل يصحِّح على الشيخ كما ذكرنا؛ فالاستقلال بذلك من أضر المفاسد، وإلى هذا أشار الشافعي رحمه الله بقوله: من تفقه من الكتب ضيع الأحكام) (٤).

وبهذا انتقد جماعة من العلماء تأليف أبي الفرج بن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ)، فقال ابن رجب (ت ٧٩٥ هـ): (ونظر في جميع الفنون وألَّف فيها، وكانت أكثر علومه يستفيدها من الكتب، ولم يحكم ممارسة أهلها فيها) (٥).

وقال فيه الذهبي (ت ٧٤٨ هـ): (هكذا هو له أوهام وألوان من ترك المراجعة وأخذ العلم من صحف، وصنَّف شيئًا لو عاش عمرًا ثانيًا لما لحق أن يحرِّره ويتقنه) (٦).

وقال ابن رجب (ت ٧٩٥ هـ) أيضًا في كلامه عن كتاب ((نهاية المطلب في


(١) سنن الدارمي، المقدمة، باب من لم ير كتابة الحديث (٤٨٣).
(٢) سنن الدارمي، المقدمة، باب من لم ير كتابة الحديث (٤٨١).
(٣) رياضة المتعلمين، ابن السَّني (٣٤٣).
(٤) المجموع (١/ ٣٨).
(٥) الذيل على طبقات الحنابلة (٢/ ٤٦٦).
(٦) سير أعلام النبلاء (٢١/ ٣٧٨). وقال الذهبي في ترجمة الفيلسوف الطبيب ابن رضوان (٤٥٣ هـ): (وكان ذا سفهِ في بحثه، ولم يكن له شيخ، بل اشتغل بالأخذ عن الكتب، وصنَّف كتابًا في تحصيل الصناعة من الكتب، وأنها أوفق من المعلمين، وهذا غلط). سير أعلام النبلاء (١٨/ ١٠٥).

<<  <   >  >>