للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هناة ولا يخاف لومة لائم (١). وأبي بكر بن أبي زمنين (ت ٦٠٢ هـ) الذي وُصف بأنه كان في قضائه عدلًا مهيبًا جزلًا، فإذا انفصل من مجلس الحكم صار من ألين الناس جانبًا وأحسنهم خلقًا وأكثرهم تواضعًا (٢). وقاضي الديار المصرية عمر بن عبد الوهاب بن خلف العلامي (ت ٦٨٠ هـ) الذي كان فقيهًا عظيم الهيبة وافر الجلالة، حتى قال السخاوي (ت ٩٠٢ هـ): (ما سمعنا بأحد من قضاة مصر كان أكثر هيبة منه) (٣). وقاضي سبتة أبي عبد الله بن عبد المهيمن الحضرمي (ت ٧١٢ هـ) الذي كان مجلسه يغصُّ بعمائم العلماء وهم كأنما على رؤوسهم الطير هيبة له وتأدُّبًا معه (٤). وقاضي القيروان محمد بن أبي يحيى الفاسي (ت ٧٧ هـ) الذي سار سيرة العدل التام وكانت له صولة بحيث إذا وصل أحد بقرب زقاق داره هابه (٥). وقاضي مصر برهان الدين الإخنائي (ت ٧٧٧ هـ) الذي كان مهيبًا صارمًا نزهًا عفيفًا نافذ الكلمة عظيم الحرمة مفضالًا مصممًا، لا يقبل رسالة ولا شفاعة، بل يصدع بالحق ولا يغضي على باطل، ولا يولي إلا مستحقًّا، وكان مع ذلك كثير الحلم والستر على من لم يجاهر، فمن جاهر تصدى له وقمعه، واشتهر صيته بذلك حتى كان له في كل قلب رهبة، ولكل أحد إليه رغبة (٦). وبرهان الدين بن جماعة (ت ٧٩٠ هـ) الذي كان مهيبًا عظيم القدر عند الملوك، محببًا للناس، على غاية من العفة والصيانة، والوقوف مع الحق، والجليل والوضيع عند سواء (٧). واستقصاء مثل ذلك يطول جدًّا.

والقاضي في مجلسه منتصب للحكم بين الناس، والناس فيهم الصادق والكاذب، والتقي والفاجر، والكريم واللئيم، والعفيف والمتقحم للحرمات،


(١) المرقبة العليا، النباهي (٩٢).
(٢) المرقبة العليا، النباهي (١١١).
(٣) الذيل على رفع الإصر (٢٠٢).
(٤) المرقبة العليا، النباهي (١٣٢).
(٥) تاريخ قضاة القيروان، الجودي (١٢٦).
(٦) رفع الإصر عن قضاة مصر، ابن حجر (٣٤).
(٧) رفع الإصر عن قضاة مصر، ابن حجر (٢٩). وانظر فيه أيضًا: (٦٤، ٢٦٩، ٣٨٤، ٤٤٤).

<<  <   >  >>