للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(ت ٦١٤ هـ): السلطان يسلم عليك ويوصي بفلان فإن له محاكمة، غضب القاضي وقال: الشرع ما يكون فيه وصية، لا فرق بين السلطان وغيره في الحق (١).

وتركُ محاباة الكبير والصغير أمر لا يستقيم الغرض من القضاء إلا به، ومحاباة القاضي مفسدة لدينه ودنيا غيره، وهو بالمحاباة داعية إلى التهوين من أمر الشريعة في نفس من ولَّاه؛ (فإنما يتلف السلاطين فسقةُ الفقهاء؛ فإن الفقهاء ما بين صالح وطالح، فالصالح غالبًا لا يتردد إلى أبواب الملوك، والطالح غالبًا يترامى عليهم، ثم لا يسعه إلا أن يجري معهم على أهوائهم ويهون عليهم العظائم، ولهو على الناس شرٌّ من ألف شيطان، كما أن صالح الفقهاء خير من ألف عابد) (٢). وإذا فسدت الخطط والوظائف الشرعية-التي إنما وجدت لصلاح العالم-فسد العالم، وصحَّ فيها ما حكاه البُرزلي (ت ٨٤١ هـ): (وأكثر الخطط الشرعية في زماننا أسماء شريفة على مسميات خسيسة) (٣).

ومع هذا فليس على القاضي بأس أن يستعمل مع الناس المداراة وأن يتخلص من شرهم بالحيلة وحضور البديهة وحسن الجواب، ومن الحيل اللطيفة في ذلك ما روي عن إياس بن معاوية (ت ١٢٢ هـ) لما أتاه والي خراسان وكيع بن أبي سود ليشهد عنده في قضية، فقال له: ما حاجتك؟ قال: جئت لأشهد، قال إياس: مالك وللشهادة؟ إنما يشهد الموالي والتجار والسفلة. قال: صدقت، وانصرف. فقالوا لوكيع: خدعك؛ إنه لا يقبل شهادتك وردك، فقال وكيع: لو علمت لعلوته بالقضيب (٤). وتقدَّم عنده الفرزدق (ت ١١٠ هـ) يومًا في شهادة، فقال إياس: أما أبو فراس فقد عرفناه ولكن زدنا شهودًا. فقال الفرزدق: ما أحسن ما سللت عمك


(١) نزهة الخاطر وبهجة الناظر، شرف الدين الأنصاري (١/ ٢٩٥).
(٢) طبقات الشافعية الكبرى، ابن السبكي (٢/ ٥٩).
(٣) فتاوى البرزلي (٤/ ١٤).
(٤) أخبار القضاة، وكيع (١/ ٣٤٣).

<<  <   >  >>