للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر الألقاب للتعريف لا يعد من الغيبة]

وكنا ذكرنا في المجلس الماضي كلاماً حول هذا اللقب الذي هو لشيخ البخاري رحمه الله؛ في هذا الحديث وهو محمد بن الفضل، ولقبه عارم، وكنيته أبو النعمان، وهذا اللقب عارم فيه معنى الشدة وسوء الخلق، ولذلك كان محمد بن يحيى الذهلي رحمه الله -وهو من صغار شيوخ البخاري؛ إذ إن شيوخ البخاري على خمسة أقسام، آخر قسم من هؤلاء منهم: محمد بن يحيى الذهلي رحمه الله، واتفق البخاري معه في كثيرٍ من شيوخه- فكان محمد بن يحيى الذهلي إذا حدَّث عن عارم يقول: حدثنا عارم، وكان بعيداً عن العرامة؛ حتى لا يتوهم المستمع أن لقب عارم فيه شيءٌ من سوء الخلق.

وذكرنا أيضاً في المجلس الماضي أن هذا لا يعد من الغيبة المحرمة.

القدح ليس بغيبةٍ في ستةٍ متظلمٍِ ومعرِّفٍ ومحذرِ ومجاهرٍ فسقاً ومُسْتَفتٍ ومَن طلب الإعانة في إزالة منكر فالمتظلم لو ذكر سوءَة ظالمه لا يعد مغتاباً، وكذلك ما فعله أهل الكوفة مع سعد بن أبي وقاص، لما شكوه إلى عمر بن الخطاب، وكما حدث كثيراً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا جاء رجلٌ يشكو آخر، منهم: أبو بكر الصديق لما شكا عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين: (أنه حدث بين أبي بكر وعمر شيءٌ، وكان أبو بكر عنده حدة، فقال لـ عمر: اغفر لي، فقال عمر: لا أغفر لك، فتفرقا وبحث أبو بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظفر به وقد رفع شيئاً من ثيابه، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما صاحبكم فقد غامر، فلما جاء أبو بكر قال: يا رسول الله! حدث بيني وبين عمر شيءٌ فقلت: له اغفر لي، قال: لا أغفر لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يغفر الله لك يا أبا بكر ذكر ذلك ثلاث مرات، ثم إن عمر ندم، فذهب إلى أبي بكر في بيته فلم يجده، فجعل يبحث عنه حتى جاء مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه عليه الصلاة والسلام احمرَّ وجهه وظهر عليه الغضب، وقال: جئتكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، ومنعتموني فواساني بماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي، قال الراوي: فما أوذي بعدها) .

وهكذا مسألة الخصومات كانت كثيرة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يعقب النبي عليه الصلاة والسلام على المتظلم ولم يقل له: هذه غيبة محرمة، ولا يجوز لك.

فأي إنسان متظلم يجوز له أن يذهب إلى القاضي، أو يذهب إلى جهة التقاضي، فيقول: فلان ظلمني أو فلانٌ كذا، أو نحو هذه العبارات، فلا يعد هذا من الغيبة المحرمة.

والمعرِّف كما ذكرنا في لقب عارم؛ لأننا عرفناه بذلك، وكذلك الأعمى والأعرج، وسليمان الأحول، وعاصم الأحول، وكذلك من وصف بعاهة فيه، ومن نسب إلى غير أبيه، مثل: إسماعيل بن علية مثلاً؛ كل هذا لا يُعَد من الغيبة المحرمة، طالما أن اللقب أو النسبة خرجت مخرج التعريف له لا التنقيص من شأنه.

القدح ليس بغيبة في ستة متظلمٍ ومعرفٍ ومحذرٍ ومجاهرٍ فسقاً ومُسْتَفتٍ ومَن طلب الإعانة في إزالة منكر

<<  <  ج: ص:  >  >>