للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"مت" في أول تفعيلة الكامل يخفف من قسوة الوتد في ختام التفعيلة بسبب موازنته له، وكأن ثقل السبب يقابل قسوة الوتد. وأما في "مستفعلن" حيث السبب الخفيف "مس" فإن الوتد في آخرها يصبح أشد قسوة لوداعة السببين الخفيفين السابقين له. ولذلك نجد الرجز أسرع انزلاقًا من الكامل إلى النثرية وضعف الموسيقى، على الرغم مما نراه من سهولة النظم على الرجز بحيث سماه أسلافنا "حمار الشعراء". ومصداق ما نقول إن أخطاء الشعراء في الشعر الحر المكتوب على وزن الرجز أكثر بكثير من أخطائهم في ذلك الشعر وهو مكتوب على وزن الكامل.

ومع ذلك كله فإن قواعد الوتد في الرجز تنطبق على قواعده في الكامل ولو بدرجة أخف. ولذلك نلاحظ أن التدوير نادر الورود في البحر الكامل والبحر الطويل١ ويكاد يكون مستكرهًا ولو لم تنص كتب العروض على منعه. وإنما ذلك ملحوظ في دواوين الشعراء أنفسهم، ولسنا نراهم وقعوا فيه إلا اضطرارًا.

وخلاصة الرأي أن من مستلزمات الوتد أن يقف بين الحين والحين في نهاية الكلمة، وأن تكسر شوكته ببعض الوسائل الأخرى التي ذكرناها. ذلك أمر يحتمه الذوق وتتطلبه الأذن الشعرية، وقد صنعه الشعراء، وإن كان العروضيون لم يقرروه قط. حتى ابن مالك، في ألفيته النحوية المنظومة، قد التزمه. والحق أن منظومته، من وجهة نظر العروض، تتمتع بموسيقى مقبولة نفتقدها في أكثر شعر الرجز الحديث الذي شاع في السنين الماضية. وإنه لعار يحلق بالشعر الحديث أن تكون "منظومات" أسلافنا التعليمية أوفر موسيقى من قصائد شعرائنا المعاصرين. ونحن أشد أسفًا على ذلك لأننا ندري أن شعراءنا لا يقلون مواهب عن أولئك


١ تفعيلات الطويل في إحدى تشكيلاته "فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن" وهي تنتهي بوتد.

<<  <   >  >>