كان السؤال الذي انصبت حوله مناقشات المعترضين على "البدعة" يتركز حول الأسباب الداعية التي دفعت هذه "الفئة الضالة" من الشباب إلى تبني حركة لقلب الأوزان العربية. وقد ذهبوا في التأويل مذاهب شتى، فقال بعضهم إن الشباب مولع بالأغراب والشذوذ، وقال آخرون إن الجيل الجديد كسول يضيق بالجهد ولا يصبر على متاعب الشطرين وأهوال القافية الموحدة فتخلص إلى السهولة. ورأت فئة ثالثة أن الحركة بمجملها منقولة عن الشعر الأوروبي ولا علاقة لها بالشعر العربي.
والحق أن هذه المزاعم لا تخلو من مثل ذلك الصدق العفوي الذي نجده مصاحبًا حتى لأكثر الأحكام بعدًا عن رصانة التأمل ووضوح القصد. ولعل السذاجة في الحياة الإنسانية لا تخلو من الحكمة خلوًّا تامًّا مهما بلغت درجتها. غير أن في الأمثال هذه الأحكام المتسرعة، على كل حال، تغاضيًا لا يسكت عنه عن بعض الحقائق الأولية المتعلقة بالمجتمعات ونموها وتطورها. أفتراه من الممكن أن تنشأ حركة في مجتمع ما ويستجيب لها جيل من الناس على مدى عشر سنين بطيئة طويلة دون أن تمتلك جذورًا اجتماعية تحتم انبثاقها وتستدعيه؟ أمن الجائز أن تنبعث هذه الحركة من أعماق الفراغ والسكون دونما جذور ولا روابط ولا مسببات؟ وما الذي يجعل حركة ما تظهر في عصر معين دون عصر؟
في الواقع أن الأفراد الذين يبدءون حركات التجديد في الأمة ويخلقون الأنماط الجديدة، إنما يفعلون ذلك تلبية لحاجة روحية تبهظ كيانهم وتناديهم