للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التكرار اللاشعوري]

هذا الصنف لم يرد في الشعر القديم الذي وقف نفسه -فيما يلوح- على تصوير المحسوس والخارجي من المشاعر الإنسانية. وشرط هذا الصنف من التكرار أن يجيء في سياق شعوري كثيف يبلغ أحيانًا درجة المأساة.

ومن ثم فإن العبارة المكررة تؤدي إلى رفع مستوى الشعور في القصيدة إلى درجة غير عادية. وباستناد الشاعر إلى هذا التكرار يستغني عن عناء الإفصاح المباشر وإخبار القارئ بالألفاظ عن مدى كثافة الذروة العاطفية.

ويغلب أن تكون العبارة المكررة مقتطفة من كلام سمعه الشاعر ووجد فيه تعليقًا مريرًا على حالة حاضرة تؤلمه أو إشارة إلى حادث مثير يصحي حزنًا قديمًا أو ندمًا نائمًا أو سخرية موجعة. ونموذج هذا التكرار عبارة "أنها ماتت" في قصيدة الخيط المشدود في شجرة السرو١. فما كاد بطل القصيدة يسمعها حتى أصابته رجة شعورية أدت إلى أن يصاب بهذيان داخلي واختلاط موقت في تفكيره فراحت العبارة تعيد نفسها في ذهنه كدقات ساعة رتيبة. وإنما تنبع القيمة الفنية للعبارة المكررة، في هذا الصنف من التكرار، من كثافة الحالة النفسية التي تقترن بها.

لقد ورد هذا التكرار اللاشعوري في قصيدة عنوانها "نهاية"٢ لبدر شاكر السياب، وصحبته ظاهرة يصح أن نقف عندها وقفة صغيرة،


١ شظايا ورماد. "بيروت ١٩٥٩" ص١٦٣.
٢ أساطير "النجف الأشرف ١٩٥٠".

<<  <   >  >>