يبدو لنا أن دعوة النثر، في أحكامها على الشعر، تستند إلى تعريف له يضع الإلحاح كله على المحتوى أو "المضمون". فالشعر، في نظر أصحاب هذه الدعوة ليس إلا معاني من صنف معين، فيها خيال وعاطفة وصور، وسواء بعد ذلك أن يكون موزونًا أو غير موزون؛ لأن الوزن، في رأيهم، ليس شرطًا في الشعر. وعلى هذا الأساس يكون للشعر في نظرهم عنصر واحد هو المضمون. فإذا أردنا أن نستخلص للشعر تعريفًا مشتقًّا من آرائهم هذه قلنا إنه "تجمع معانٍ جميلة موحية فيها الإحساس والصور".
ومن الواضح أن مفهومهم هذا للشعر يقف في الطريق الأقصى المواجه للتعريف العربي القديم الذي كان يحدد الشعر بأنه "الكلام الموزون المقفى" وهو تعريف يجعل الوزن الأساس الأعظم للشعر دون اعتراف بالمضمون. والحقيقة أن كلا التعريفين قاصر ناقص: التعريف الجديد يهمل الشكل والتعريف القديم يهمل المضمون. فكأن هؤلاء المعاصرين أرادوا تصحيح مفهوم غالط قديم فوقعوا في مفهوم غالط جديد. ولا يخفى علينا أن غلط التعريف الجديد أشد وأكبر من غلط تعريف أسلافنا.
وأما إذا أردنا أن نرجع إلى صوت الواقع في أنفسنا، وأن نحكم عقولنا فلسوف ننتهي إلى أن للشعر ركنين ضروريين لا بد منهما في كل شعر وهما:
١- النظم الجيد "الشكل" أو "الوزن".
المحتوى الجميل الموحي، المتموج بالظلال ٢- الخافتة والإشعاع الغامض الذي تنتشي له النفس دون أن تشخص سر النشوة.
وإنه لمن المؤسف أن كلمة "نظم" قد أصبحت تزدري في عصرنا وكأنها إهانة يُسب بها الشاعر. والواقع أنها كلمة جليلة، لا بد لكل شاعر من أن يملك ناصيتها. ذلك أن الشاعر المبدع لا بد أن ينطوي على ناظم