ينسبون إلى ما يكتب كل صفات الشعر فورًا بمجرد أن يقول لهم ذلك.
والحق أن لغتنا العربية لن تحمينا يعد اليوم. ذلك أن هنالك اليوم أناسًا يكتبون النثر ويسمونه في جرأة عجيبة شعرًا، حتى فقدت كلمة شعر صراحتها ونصاعتها. ولسوف يتشكك الجمهور في أي شعر نقدمه له باسم "الشعر" لأن لفظ شعر قد تبلبل معناه واختلط وضاع. والواقع أن هذه الكذبة، وكل كذبة مثلها، خيانة للغة العربية وللعرب أنفسهم بالتالي. إن اللغة التي يستعملها أناس غير صادقين سرعان ما تتلوث بالكذب وتفسد. وعندما تكشف الحياة، أو الضمير اللغوي العام الكامن في النفس البشرية – أن كلمة "شاعر" قد أصبحت نعتًا للناثر، فإنها ستضطر إلى الشك في كلمة "شاعر" وكلمة "شعر". فمهما أكد الناس أنهم ينظمون شعرًا فلن يصدقهم أحد قبل التثبت الأكيد.
وما معنى هذه النتيجة؟ معناها أننا لن نزيد على أن نخسر كلمة مهمة من كلمات اللغة فتموت كلمة "شعر". ومن الطبيعي ألا يعني ذلك أن الشعر نفسه سيموت. فلو زالت الكلمة من القاموس العربي لبقي الناس ينظمون الشعر مع ذلك. فإنما اللغة رموز تذهب وتجيء. وأما الحقائق التي تكمن وراء تلك الرموز فإنها لا تموت على الإطلاق. إن الحقيقة لا تزيف مهما تلاعبنا باسمها. بلى نستطيع أن نزيف كلمة ناصعة بأن نطلقها على ما لا تمثله في الأصل، ولكننا بذلك سنقتل الكلمة نفسها، وأما الحقيقة فسوف تبقى ناصعة. وسرعان ما ستجد تلك الحقيقة لنفسها اسمًا آخر جديدًا فيه النصاعة اللازمة. وبهذا تخلد الحقيقة وتسقط الكلمة.
ولسوف يجد دعاة "قصيدة النثر" أنفسهم حيث بدءوا، فلقد استحال معنى كلمة "شعر" إلى التعبير عن النثر كما أرادوا، غير أن الشعر وجد لنفسه اسمًا آخر صادقًا ينص على الوزن الذي حاولوا قتله. ولسوف يبقى الناثرون حيث كانوا مع الناثرين.