لا شك في أن التكرار، بالصفة الواسعة التي يملكها اليوم في شعرنا، موضوع لم تتناوله كتب البلاغة القديمة التي ما زلنا نستند إليها في تثمين أساليب اللغة. فقصارى ما نجد حوله أن أبا هلال العسكري يتحدث عنه حديثًا عابرًا في كتاب "الصناعتين" وكذلك يصنع ابن رشيق في "العمدة".
أما كتاب البديعيات الذكية فقد اعتبروه فرعًا ثانويًّا من فروع البديع لا يقفون عنده إلا لمامًا. ولم يصدر هذا عن إهمال مقصود وإنما أملته الظروف الأدبية للعصر، فقد كان أسلوب التكرار ثانويًّا في اللغة إذ ذاك فلم تقم حاجة إلى التوسع في تقويم عناصره وتفصيل دلالته.
وقد جاءتنا الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بتطور ملحوظ في أساليب التعبير الشعري، وكان التكرار أحد هذه الأساليب، فبرز بروزًا يلفت النظر، وراح شعرنا المعاصر يتكئ إليه اتكاء يبلغ أحيانًا حدودًا متطرفة لا تنم عن اتزان. وهذا النمو المفاجئ يقتضي ولا شك نموًّا مماثلًا في بلاغتنا التي لم تعد تساير التطور الجديد في أساليبنا التعبيرية، حتى