متمكن بارع وإلا لم يكن شاعرًا. والنظم هو المرحلة الأولى في كل شعر. وأما أن هناك أناسًا ينظمون شعرًا موزونًا يخلو من عبقرية الإبداع ورعشة الموسيقى فإن ذلك لا يهين كلمة "النظم". إن كل شاعر ناظم بالضرورة، وليس كل ناظم شاعرًا، وذلك لأن الشعر أعم من النظم، فهو يحتويه دون أن يقتصر عليه. وواقع الأمر أن الناس، بالنسبة للشعر ثلاثة:
١- إنسان يتذوق الشعر ويطرب له إلا أنه لا يميز الموزون من المختل وقد يمر على غلط عروضي فلا يدركه. ومن هذا الصنف كثير من الناس.
٢- إنسان ينظم الموزون نظمًا متقنًا جاريًا على قواعد العروض دون أن تنبض منظوماته بالجمال أو تتفجر بدفء الإبداع. وهذا هو الناظم.
٣- إنسان يحسن النظم ويتقنه حتى ليوجع النشاز سمعه وروحه وهو فوق ذلك يمتلك موهبة تفكير الموسيقى والسحر فيما ينظم. وهذا هو الشاعر. وهو في هذا الباب في المرتبة الأولى من أصناف الناس.
والذي لا ريب فيه أن الناظمين أناس ذوو موهبة وإن لم تكن موهبتهم كاملة، ولذلك ينبغي لنا أن نحترم موهبتهم، وأن نثني عليهم بما يستحقون. نقول هذا ونحن نرى الاتجاه لدى طائفة من الشعراء اليوم إلى احتقار الناظمين والتشنيع عليهم. وإنما الحق أن ينظر هؤلاء الشعراء إلى أنفسهم ليكملوا ما ينقصهم من عدة الناظم ومقدرته. فما قيمة شعر جميل الصورة ولكن أوزانه تتعثر بالسقطات؟ إن الناظم الذي يحسن النظم أجدر بإعجابنا، لو أنصفنا، من شاعر لا يحسن النظم. ذلك أن الأول بصفة كونه ناظمًا، قد استكمل عدة فنه حين أتقن النظم وضبط أصوله. وأما الشاعر فإنه، وهو يجهل قواعد النظم، إنما يفتقد جزءًا مهمًّا من عدة الشاعر؛ لأن الوزن هو الروح التي تكهرب المادة الأدبية وتصيرها