للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما لماذا أورد المعاصرون "مستفعلان" هذه في خواتم تشكيلات الرجز في شعرهم الحر، فلعل التعليل الوحيد له أن الشاعر الناشئ سمع أن في الشعر الحر حرية فظن أن معنى تلك الحرية أن يخرج على العروض وقواعده، وحتى على الأذن العربية وما تقبله. وغاب عنه أن العروض هو الموسيقى ولا سبيل إلى الخروج عليه ما دمنا ننظم شعرًا. ولا ريب أن اصطلاحنا "الشعر الحر" لا يسمح بمثل هذه التأويلات الفضفاضة التي وقع فيها الشعراء لأننا احترزنا بكلمة "الشعر" عن أن نقصد بالاصطلاح الخروج على ما هو أساسي في كل شعر وهو الموسيقى. وأما "الحرية" فقد شرحناها بأنها التحرر من التقيد بالشطرين المتساويين في الطول. ومن ثم فإذا نظمنا قصيدة حرة، على زن الرجز، فمن المنطقي أن نتقيد بقوانين العروض الخاصة ببحر الرجز جميعًا، ما عدا التقيد بعدد معين من التفعيلات في كل شطر.

وقد بدأت الفوضى في بحر الرجز على يد قلة من الشعراء الناشئين كما أذكر، وكنت وأنا أرقب ما تنشر الصحف أعتقد أن الراسخين من الشعراء، الذين مارسوا النظم بأسلوب الشطرين طويلًا، سوف يتحاشون الوقوع في هذه الفوضى، ومن هؤلاء نزار قباني مثلًا وقد سبق له من بحر الرجز في ديونه الأول:

تقول لي مكسورة الأهداف عم تبحث؟

قلت أضعت قبلة وفقدها كم يورث

قد قفزت مني وفوق الثغر منك تمكث

سمراء رديها إلي ليس بي تريث١

هنا نرى نزار قباني لا يأتي بتشكيلة فيها "مستفعلان" غير أنه يقع في ذلك عندما يخرج إلى سماء الحرية في الشعر الحر بعد ذلك بسنوات،


١ قالت لي السمراء. نزار قباني. الطبعة الأولى، دمشق١٩٤٧.

<<  <   >  >>