ثم إن أطوال الأشطر غير متساوية، والقافية خافتة تخلو من رنين القافية الموحدة القديمة التي تقرع السمع. ذلك فضلًا عن أن العبارة الحديثة لم تعد صارمة أو جهورية بحيث تلفت السمع كعبارات الشاعر القديم.
على أن أهم عامل يحدث اللبس في شعرنا الحديث هذا هو أن الشاعر لم يعد يتقيد بقانون استقلال الشطر أو البيت. فقد كان أسلافنا يعيبون الشاعر إذا ما نظم بيتًا له تتمة في بيت تالٍ. وكان المألوف في الشعر العربي كله أن يكون البيت تامًّا في حدود شطريه. وكان ذلك يحفظ للبيت عزلته ويعصم للقارئ من الالتباس. أما اليوم فحتى هذا الدليل ضاع من يدي القارئ، كما نرى في أشطر بدر السياب:
أود لو أطل من أسر التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
ويملأ السلال
بالماء والأسماك والزهر
هذه خمسة أشطر تضم كلها عبارة واحدة. أي أن ثلاثة أبيات منها تشترك في عبارة واحدة.
وهناك نقطة أخرى تحدث الالتباس. أن الشاعر المعاصر مولع بالتسكين، فأكثر قوافيه ساكنة الآخر كما في هذه القصيدة التي اقتطفنا منها. فإذا تهاون الشاعر وأدمج الأشطر فإن القارئ قد يتلو القوافي مشكولة بحسب إعرابها. وبذلك يضيع الوزن كليًّا. وهذا خطأ يقع فيه الشاعر وغير الشاعر؛ لأن الشكل يفسد الوزن الذي أقامه الشاعر على سكون. وإذن فماذا يحدث لو أن الشاعر كتب أبياته بالشكل التالي مثلًا.
"أورد لو أطل من أسرة التلال لألمح القمر يطل بين ضفتيك،