للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحق أن الشاعر الأصيل الذي أرهف سمعه بالإغراق في قراءة الشعر العربي لا يمكن أن يقع في المزج بين التشكيلات في قصيدة واحدة، وإنما وقع مثل ذلك لدى شعراء موهوبين لأنهم، فيما نظن، أسكتوا صوت فطرتهم الشعرية وانساقوا مع تجديد حسبوه منطقيًّا. ولقد شجع خطأ الواحد منهم أخطاء الآخرين ونصرها، فكان الشاعر منهم يشيح عن صوت نفسه المرهفة التي تأبى عليه المزج بين المتنافر، لمجرد أن شاعرًا آخر منهم قد ارتكب ذلك المزج.

وقد تكون أسباب الخلط غير هذه لدى شعراء آخرين. إن من الشعراء المعاصرين في وطننا العربي من ينقصهم التمرين، ومنهم ناظمون لا يرتفعون إلى مستوى الشعر، وكلا الطائفتين معرضة إلى أن ترتكب الأخطاء. ونحن في عصر بات ازدراء العروض فيه يعتبر صفة ملازمة للشاعر الموهوب. وقد شاعت مثل هذه النظريات المضللة شيوعًا عظيمًا بين الناس.

وكانت نتيجة هذا كله أن الشعر الحر غص بالخلط بين التشكيلات، ووقع مثل ذلك حتى لدى شعراء مارسوا النظم بأسلوب الشطرين طويلًا مثل سليمان العيسى ونزار قباني وفدوى طوقان وهم جميعًا شعراء ذوو وزن. وهذه فدوى مثلًا في قصيدة لها، وزنها الرجز افتتحتها قائلة:

تحبني صديقي المقرب الأثير١؟

مستفعلن مستفعلن مستفعلن فعول

وقد كان ينبغي لها، حسب قانون الأذن العربية، أن تقصر حرية القصيدة على التلاعب بعدد تفعيلات الحشو الموحدة "مستفعلن"، مع إثبات التفعيلة الأخيرة الشاذة "فعول" بحيث ترد في آخر كل شطر من القصيدة٢.


١ قصيدة "تاريخ كلمة" لفدوى طوقان. مجلة الآداب أيان ١٩٦١.
٢ لا يفوتني أن أقر هنا بأنني لم أعد أومن بهذا القانون أو أراه ملزمًا للشعراء.

<<  <   >  >>