إذا قلت حقًّا خفتُ لوم مخاطبي ... وإن لم أقل حقًّا أخاف ضميري
أرى الناس، إلا من توفر عقلُهُ ... من الناس، أعداء لكل جديد١
إن هذا شعر بلا قافية، وقد جمع فيه الشاعر تشكيلتين من البحر الطويل فكانت أبياته متنافرة. ولم تكن هذه من الزهاوي إلا تجربة، فلسنا نراه سار عليها في سائر شعره. ولغير الزهاوي محاولات في هذا الباب. على أن المحاولة لم تنجح وبقيت نموذجًا يشار إليه لغرابته.
ثم إن الشعراء، إن كانوا لم ينجحوا في إحداث الشعر المرسل، فإنهم نجحوا في الخروج على القافية الموحدة، فشاع في الوطن العربي شعر الزركلي والمهجريين الذي جرى على تنويع القوافي بأشكال الموشح وأشكال جديدة جميلة أضافوها هم. ومشى ذلك حتى في شعر شوقي والزهاوي والرصافي وبشارة الخوري وغيرهم كثير، حتى أصبح تنويع القوافي مألوفًا وصدرت المطولات الشعرية والمسرحيات.
ومهما يكن من فكرة نبذ القافية وإرسال الشعر فإن الشعر الحر بالذات يحتاج إلى القافية احتياجًا خاصًّا. وذلك لأنه شعر يفقد بعض المزايا الموسيقية المتوافرة في شعر الشطرين الشائع. إن الطول الثابت للشطر العربي الخليلي يساعد السامع على التقاط النبرة الموسيقية ويعطي القصيدة إيقاعًا شديد الوضوح بحيث يخفف ذلك من الحاجة إلى القافية الصلدة الرنانة التي تصوت في آخر كل شطر فلا يغفل عنها إنسان. وأما الشعر الحر فإنه ليس ثابت الطول وإنما تتغير أطوال أشطره تغيرًا متصلًّا، فمن ذي تفعيلة إلى ثانٍ ذي ثلاث إلى ثالث ذي اثنتين وهكذا. وهذا التنوع في العدد،
١ قصيدة "الشعر المرسل" لجميل صدقي الزهاوي. ديوان الزهاوي. المطبعة العربية. القاهرة ١٩٢٤ "ص٣١".