للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعد: ففي الوقت الذي تكبر فيه رائدة الشعر الحر فيما اهتدت إليه من قواعد لحركة التجديد الشعرية، ولما ابتدعته من مصطلحات، وتوصلت إليه من نتائج تعتبر ثروة لغوية وأدبية في النقد العربي، نختلف معها في نقاط عدة نكتفي بإيجاز اثنين منها:

١- المفارقة في مصطلح "الشعر الحر":

ووجه المفارقة في هذا الاصطلاح أنه ينطوي على تجديد في الشعر ولكننا إذا أمعنا النظر فيه نجده لم يزل يحتفظ بتعريفه عند نقاد الأدب منذ عهد قدامة بن جعفر بأنه القول الموزون المقفى الذي يدل على معنى١..

وأنه تجديد نحو الحرية في الشعر، ولكننا إذا استقرأنا ما نظم فيه نراه لم يخرج على عمود الشعر الذي حدده "المرزوقي" في مقدمته لشرح ديوان الحماسة٢. وهو -الشعر الحر- بنظر مبدعيه سبيل لانطلاق الشاعر من قيود شكلية تعوق خياله عن الإبداع والاسترسال، وتصد لسانه عن التعبير والتصوير، غير أنه برفع تلك القيود قد فرضوا عليه قيودًا معنوية قاسية من أجل أن يكون ما يقوله شعرًا ما دام الشعر نغمًا ملحنًا، وليس موسيقى فحسب.

٢- تجريد النثر من الموسيقى: في معرض الموازنة بين النثر والشعر في الفصل الذي تحدثت به المؤلفة عن "قصيدة النثر" انتهت إلى "أن الموسيقى ملازمة للشعر لا له". والذي نعرفه أن النثر الفني موسيقى تأتيه من توازن الجمل وسجعها، ذلك التوازن الذي هو أقرب إلى الوزن في الشعر، وذلك السجع الذي هو أشبه بالقافية فيه، مما يدلنا على أنه هو الأصل الذي ارتقى منه الشعر، كما كان الرجز هو الحلقة الوسطى بين النثر المتوازن المسجوع وبحور الشعر الناضجة. ولكن هذا الطراز من البيان العربي قد جفاه المجددون من الكتاب أيضًا حتى ولو كان عفويًّا غير


١ قدامة بن جعفر: نقد الشعر - ١٣ ط الأولى القاهرة سنة ١٩٣٤م.
٢ المرزوقي: شرح ديوان الحماسة ط مصر سنة ١٩٥م صفحة - ٩.

<<  <   >  >>